هكذا تُبنى الأمم... تعرف على نضال الشعب الياباني لعقود طويلة للحصول على دستور ميجي الذي كان سبباً في رفعة البلاد
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
دعوات مبكرة لوضع الدستور
في ستينيات القرن التاسع عشر، وقبل وقت قصير من سقوط نظام حكم شوغونية توكوغاوا، كانت الأبحاث التي أجراها مفكرون يابانيون يعيشون في الخارج مثل نيشي أماني، بالإضافة إلى تأثير الكتب الأجنبية على الفكر الياباني دافعاً قوياً لمناقشة الدساتير الغربية وتكوين الحكومات الدستورية في اليابان. في ذلك الوقت أعد ساكاموتو ريوما خطة واضحة مكونة من ثماني نقاط حدد فيها رؤيته لحكومة جديدة في فترة ما بعد الشوغونية، ودعى إلى إنشاء مجلسي النواب والمستشارين في البرلمان ووضع دستور جديد.
كانت حكومة ميجي الجديدة لا تزال تخوض حرب بوشين الأهلية ضد قوات الشوغونية في يونيو/ حزيران 1868 حينما قامت بإصدار ميثاق القسم الذي منح السلطة إلى مجلس الدولة الأكبر أو دايجوكان. وقد تألف هذا الميثاق من سبع إدارات تتولى مهمة الإشراف على مجالات مختلفة، وكان قائماً على مبدأ الفصل بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية تماماً كما هو الحال مع دستور الولايات المتحدة.
في عام 1871، حققت الحكومة هدفها في ضمان حيازة السلطة المطلقة من خلال إلغاء النظام الإقطاعي وإنشاء محافظات بدلاً منها. ثم قسمت مجلس الدولة الأكبر (دايجوكان) إلى ثلاثة مجالس تتبعها عدة وزارات ومكاتب، ومن بين تلك المجالس الثلاثة كان للمجلس المركزي السلطة العليا، وكان يعادل مجلس الوزراء في عصرنا الحالي ويتألف من الوزير الأكبر (دايجو دايجين) ووزير اليسار (سادايجين) ووزير اليمين (أودايجين)، بالإضافة إلى عدد من المستشارين. كان مجلس اليسار هيئة استشارية فيما يتعلق بسن التشريعات وكان يتكون من أعضاء تختارهم الحكومة مهمتهم إعطاء المشورة للمجلس المركزي عندما يكون بصدد إعداد قوانين مهمة. كما كان رؤساء الوزارات والمكاتب ونوابهم يجتمعون في مجلس الحق لمناقشة الشؤون السياسية.
وفي عام 1874، قام ثمانية من أعضاء المجالس، الذين كانوا يؤيدون اقتراحًا فاشلاً لإطلاق حملة عسكرية إلى كوريا، بترك الحكومة. وأسس هؤلاء الرجال، الذين كان من بينهم إيتاغاكي تايسوكي، جمعية سمّوها الحزب العام للوطنيين (Aikoku Kōtō) ثم قدموا التماسًا إلى الحكومة لإنشاء جمعية وطنية.
بعد حين، عاد إيتاغاكي إلى مسقط رأسه توسا (محافظة كوتشي في ذلك الوقت)، حيث أسس جمعية المساعدة الذاتية (Risshisha) واستمر في الدفاع عن الحاجة الملحة لإنشاء جمعية وطنية، كما دعم حركة كانت تعمل من أجل الحقوق الشعبية. بعد ظهور جمعيات محلية أخرى، وجّه إيتاغاكي كل مجهوداته عام 1875 نحو مجموعة جديدة تسمى جمعية الوطنيين (Aikokusha) في أوساكا.
جدير بالذكر أن وزير الداخلية أوكوبو توشيميتشي كان الزعيم الفعلي لليابان في ظل نظام دايجوكان، وكان يشعر بالقلق إزاء صعود حركة الحقوق الشعبية، فقام بترتيب لقاء في أوساكا مع كل من إيتاغاكي وكيدو تاكايوشي، وهو شخصية سياسية بارزة من مقاطعة تشوشو السابقة (محافظة ياماغوتشي حالياً) كان قد قدم استقالته احتجاجًا على الحملة العقابية التي شنتها اليابان ضد تايوان.
في هذا الاجتماع، وافق أوكوبو على إدخال السياسات البرلمانية تدريجياً على أساس الدستور، وفي أبريل/ نيسان 1875 صدر مرسوم إمبراطوري بتشكيل حكومة دستورية، وتشكلت بالفعل هيئات جديدة هي Genrōin التي كانت بمثابة مجلس الشيوخ، وDaishin’in التي كانت بمثابة المحكمة العليا، بالإضافة إلى مجلس يضم قادة المحافظات. وبدأ مجلس الشيوخ (Genrōin)، باعتباره هيئة للتداول التشريعي، العمل على صياغة أول مسودة دستورية تكتبها الحكومة اليابانية في عام 1876.
ترأّس كيدو الاجتماع الأول لقادة المحافظات، وكان هناك نقاش محتدم حول ما إذا كان ينبغي انتخاب أعضاء المجالس المحلية أم تعيينهم من قبل الحكومة، لكن في النهاية تقرر تعيينهم.
غضب الساموراي
في عام 1876 اندلعت انتفاضات الساموراي المتكررة وقمعتها الحكومة، ولعل تمرد ساتسوما عام 1877 بقيادة سايغو تاكاموري كان أكثر تلك الانتفاضات تهديداً وخطورةً، لكن الحكومة نجحت في قمعه أيضًا. فكان فشل كل تلك الانتفاضات مؤشراً قوياً على مدى صعوبة التغلب على الحكومة بالقوة مما أعطى زخما جديدا للجهود المبذولة لإسقاطها بالطرق السلمية من خلال تأسيس جمعية وطنية عبر حركة الحرية وحقوق الشعب.
لكن في عام 1878 تم اغتيال أوكوبو على يد الساموراي الساخطين، وبعد رحيله قويت شوكة كل من أوكوما شيغينوبو الذي ينحدر من مقاطعة بيزين (محافظة ساغا حالياً)، وإيتو هيروبومي الذي ينحدر من مقاطعة تشوشو، واتسعت رقعة نفوذهما. أبدى أوكوما تعاطفه مع حركة الحقوق الشعبية، وأصر على ضرورة افتتاح الجمعية الوطنية في أسرع وقت ممكن.
في مارس/ آذار 1881، قدم أوكوما رأيًا مكتوبًا إلى وزير اليسار الأمير أريسوغاوا، شدد فيه على ضرورة الانتهاء من وضع دستور في غضون العام وإصداره في عام 1882، وأنه يجب بعد ذلك أن تكون هناك جمعية وطنية وديمقراطية برلمانية على الطراز البريطاني.
لكن السياسي المحافظ إيواكورا تومومي، الذي كان وزير اليمين، أبدى كراهيته لهذا الاقتراح وانضم إليه إيتو، وتقرّب الاثنان من كورودا كيوتاكا مدير مكتب الاستعمار في هوكايدو. كان كورودا في مأزق حقيقي بسبب انتقادات مؤيدي الحقوق الشعبية له لمحاولته بيع أصول المكتب ومشاريعه بسعر زهيد لغوداي تومواتسو، الذي كان ينحدر مثله من مقاطعة ساتسوما (محافظة كاغوشيما حالياً)، كما ادعى إيتو إن أوكوما يعمل مع حركة الحقوق الشعبية لإضعاف كورودا، فنشأ تحالف بين إيتو وكورودا.
اتخذ تحالف ساتشو (ساتسوما وتشوشو) خطوته الحاسمة في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 1881، حيث قام بافتتاح اجتماع بحضور الإمبراطور ميجي، وطرد أوكوما من منصبه كمستشار لتورطه المزعوم في الهجمات على الحكومة. في الوقت نفسه، صدر مرسوم إمبراطوري يعد الشعب بجمعية وطنية بحلول عام 1890.
وقد أصبح هذا الاستيلاء التاريخي على السلطة يعرف باسم الأزمة السياسية لفترة ميجي 14 (1881)، وأدى خروج أوكوما وأتباعه إلى تمتع تحالف ساتشو، برئاسة إيتو، بسيطرة مطلقة.
محاولات واجتهادات في حب الوطن
في ذلك الوقت، كانت حركة الحرية وحقوق الشعب في ذروة نشاطها، حيث كانت تطالب بوضع دستور وتقدم مشاريع مقترحات للجمهور عبر الصحف والمجلات.
مسودات الدساتير الخاصة هذه قدمتها منظمات مثل Kōjunsha (بما في ذلك فوكوزاوا يوكيتشي) وRisshisha، بالإضافة إلى أفراد من بينهم يوئيكي إيموري وتشيبا تاكوسابورو.
كانت مسودة الدستور التي قدمها يوئيكي متأثرة بالدستور الفرنسي وراديكالية إلى حد بعيد، حيث دعت إلى برلمان مكون من مجلس واحد، وتضمنت حقوق المقاومة والثورة في حالة وجود حاكم سيء أو دولة سيئة. إلا أن معظم مسودات الدساتير الخاصة الأخرى كانت على الطراز البريطاني، مع ملكية دستورية وهيئتين تشريعيتين.
في هذه الأثناء، أكمل مجلس الشيوخ (Genrōin) مسودة الحكومة عام 1880، ولكن تم تأجيلها بسبب معارضة إيواكورا وغيره من السياسيين المحافظين الآخرين ومعارضة البلاط الإمبراطوري أيضاً. كانت السلطة داخل الحكومة في ذلك الوقت في يد أولئك الذين شعروا بأن خطوة الدستور سابقة لأوانها أو أن اليابان يناسبها الحكم الإمبراطوري، لكن إيتو كان لديه نفس التصور الذي تبناه منافسه أوكوما حول الملكية الدستورية ونظام المجلسين.
رحلة البحث عن دستور يليق بمكانة اليابان
مع وعدها بتشكيل جمعية وطنية بحلول عام 1890، كان لزاماً على الحكومة أن تضع دستوراً كأساس لنظام دستوري. فسافر إيتو إلى أوروبا في عام 1882 لإجراء دراسات استمرت أكثر من عام وشملت عدة بلدان منها ألمانيا والنمسا وبريطانيا وروسيا وفرنسا وإيطاليا، تحدث خلالها مع علماء مثل رودولف فون جنيست وألبرت موس ولورينز فون شتاين، بالإضافة إلى الزعيم الألماني أوتو فون بسمارك والسياسي البريطاني لورد جرانفيل.
بعد البحث والتقصي، خلُص إيتو إلى أن دستوراً على الطراز البروسي-الألماني هو الأنسب لليابان، لأنه يضمن الحفاظ على قوة السلطة الإمبراطورية.
بعد عودته إلى اليابان، أنشأ إيتو في عام 1884 مكتب التحقيق في المؤسسات، وهي هيئة تختص بالبحث وإعداد التشريعات والأنظمة اللازمة للحكومة الدستورية. بخلاف الرئيس إيتو، كان أعضاء الهيئة الرئيسيون الآخرون هم إينوي كواشي وإيتو ميوجي وكانيكو كينتارو، وقد عمل الجميع معًا لتقرير الأمور المتعلقة بتعيين المسؤولين، والإدارة الإقليمية، ومجلس الوزراء، بالإضافة إلى صياغة قانون النبلاء.
وقد أدى هذا القانون إلى توسيع دائرة النبلاء التي كان تتألف سابقًا من كبار الإقطاعيين (دايميو) ونبلاء البلاط (كوجي) السابقين، فتمت إضافة أعضاء جدد لمساهماتهم خلال فترة إصلاح ميجي أو من بين أولئك الذين تولّوا مناصب رفيعة المستوى في الحكومة. ولعل الدافع وراء ذلك هو رغبة إيتو في إنشاء مجلس من النبلاء لمؤازرة مجلس النواب المنتخب شعبياً.
اكتمال الدستور وإصداره
مع اكتمال عناصر النظام الدستوري، بدأ إيتو ورفاقه في صياغة الدستور منذ عام 1886. فقاموا بفحص العديد من المسودات في نُزُل أزومايا (Azumaya ryokan) في منطقة كانازاوا بمحافظة يوكوهاما، وانضم إليهم الباحث القانوني الألماني هيرمان روسلر لتقديم المشورة.
لكن ذات يوم، اختفت من الغرفة حقيبة تحتوي على مسودة دساتير مما تسبب في حالة من الذعر والصدمة، فلو أن حركة الحقوق الشعبية اطلعت في مثل ذلك الوقت المبكر على محتوى تلك الدساتير، لكانت طامةً كبرى. لكن اتضح فيما بعد أن اللص كان مهتمًا بالأشياء الثمينة فقط، وألقى الحقيبة وما بها من أوراق غير ذات قيمة بالنسبة له بعيدًا في حقل قريب.
كان هذا الحادث كافيا لحث مجموعة العمل على الانتقال إلى فيلا إيتو في جزيرة ناتسوشيما قبالة شاطئ كانازاوا، وهناك كان الرجال الأربعة قادرين على النقاش بحرية، وفي بعض الأحيان كان الجدال بينهم محتدماً. لكن في نهاية المطاف خرجوا لنا بمسودة دستور ناتسوشيما في أغسطس/ آب 1887.
بعد مداولات متكررة في المجلس الخاص للإمبراطورية الذي تم إنشاؤه حديثًا، وهو هيئة استشارية للإمبراطور ميجي، صدر الدستور المكتمل لإمبراطورية اليابان، المعروف الآن باسم دستور ميجي، في 11 فبراير/ شباط 1889.
لقد جاءت وثيقة الدستور في شكل منحة من الإمبراطور إلى الشعب، واستندت الوثيقة إلى سيادة السلطة الإمبراطورية (tennō taiken). حيث كان للإمبراطور الحق في إعلان الحرب، وإقامة السلام، وإبرام المعاهدات، وتعيين المسؤولين الحكوميين وإقالتهم، كما كان أيضًا القائد الأعلى للجيش والبحرية. فالمادة الأولى من الدستور تنص على أن ”إمبراطورية اليابان يجب أن تحكمها سلالة من الأباطرة لا تنكسر أبداً على مر العصور ولأبد الآبدين“، بينما تنص المادة الثالثة على أن ”الإمبراطور مقدس ومعصوم“، مما أعطى انطباعاً بأن دستور ميجي كان بمثابة تأكيد غير ديمقراطي على السلطة الديكتاتورية للإمبراطور. لكن هذا ليس صحيحًا، كما سأكشف لكم في مقال لاحق.
(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 1 مارس/ آذار 2023، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: المجلس الخاص للإمبراطورية الذي تأسس في عام 1888 لمناقشة الدستور. ويتألف من سياسيي ميجي وبيروقراطيين رفيعي المستوى، وقد حضر الإمبراطور اجتماعاته. Sūmitsuin kaigi no zu (اجتماع المجلس الخاص للإمبراطورية) بواسطة يوشو تشيكانوبو، بإذن من مكتبة البرلمان الوطني)