أولترامان: بطل شعبي معاصر من اليابان
مانغا وأنيمي- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
في أحد الأيام وبينما كنت أسير باتجاه محطة القطار سمعت صبيا يغني خلفي. ولم يكن يغني فقط أي أغنية قديمة بل كانت الأغنية الرئيسية لـ’’أولترامان إيس‘‘! استدرت خلفي وأنا متفاجئ فرأيت ولدا صغيرا، ربما في الصف الأول أو الثاني الابتدائي، يجلس في المقعد الخلفي لدراجة والدته. لا بد وأنه التقطها من بث على الإنترنت. ظهر أولترامان إيس لأول مرة في عام 1972، منذ أكثر من نصف قرن. وأي شخص شاهده في أول بث له سيكون معمرا بما يكفي ليكون جد هذا الطفل الآن! لكن ربما لم يكن ينبغي لي أن أتفاجأ، لأن أولترامان لا يزال يظهر في تجسيدات مختلفة حتى يومنا هذا. فسلسلة ’’الجيل الجديد من أولترامان‘‘ حاليا في عامها الحادي عشر، وآخرها ’’أولترامان بلازر‘‘ التي عرضت لأول مرة في يوليو/تموز.
صدر أكثر من 40 سلسلة من أولترامان على مدار الستين عاما الماضية، ما يجعل من هذه الشخصية رمزا في اليابان وحول العالم. كما حقق العرض السينمائي لفيلم ’’شين أولترامان‘‘ في عام 2022 نجاحا كبيرا آخر، حيث حقق أكثر من 4 مليارات ين في شباك التذاكر.
عندما حكمت وحوش كايجو اليابان
يعود تاريخ سلسلة أولترامان إلى عام 1966، عندما ظهر عرض يسمى ’’أولترا كيو‘‘ لأول مرة في يناير/كانون الثاني من ذلك العام. لم يركز أولترا كيو على أبطال عمالقة بل على مجموعة من الأشخاص العاديين: أحدهم طيار والآخر مساعده والثالث مصورة إخبارية. كل الحلقات كانت تسير على نفس المنوال: حيث يظهر وحش أو يقع حدث لا يمكن تفسيره، ثم يتصدى الأبطال الثلاثة للأمر. كان مسلسل أولترامان الذي بُث في يوليو/تموز من عام 1966، خليفة لهذا العرض.
نقل كل من أولترا كيو وأولترامان – إلى غرف المعيشة اليابانية – عرض خيال علمي مذهل من النوع الذي كان متوفرا فقط في دور السينما منذ فترة طويلة. كان الأطفال مهووسين بالوحوش العملاقة التي تظهر في كل حلقة، ما أدى إلى ظهور ’’طفرة كايجو‘‘ اجتاحت اليابان. كل من أولترا كيو وأولترامان من إنتاج استوديو يسمى تسوبورايا برودكشن، لكن سرعان من قفز منافسون لينضموا إلى الحلبة. حيث أطلقت P-Pro مسلسل ’’السفير ماغما‘‘ (بُث في الخارج باسم ’’عمالقة الفضاء‘‘) ثم أنتج Tōei ’’روبو العملاق‘‘ (بُث في الخارج باسم ’’جوني سوكّو وربوته الطائر‘‘). كما أصدرت شركات أفلام مثل شوتشيكو ونيكّاتسو أفلاما مثل ’’الوحش إكس من الفضاء الخارجي‘‘ و ’’غابّا، الوحش العملاق‘‘. لقد شعرت حقا لفترة من الوقت آنذاك كما لو أن اليابان قد تعرضت للغزو من قبل وحوش كايجو.
بعد ذلك بُث عرضان آخران يحويان المقطع أولترا في اسميهما: ’’كابتن أولترا‘‘ و ’’أولترا سيفين‘‘. ولكن الطفرة اقتربت من نهايتها في عام 1968. (على الرغم من اسمه إلا أن كابتن أولترا أنتج من قبل TBS و Tōei ولا يُحسب كجزء من سلسلة أولترا). غالبا ما كانت سلسلة تسوبورايا تستحوذ على أكثر من 30% من نسبة المشاهدة، ما يجعلها الأكثر – إلى حد بعيد – استحواذا على المشاهدين في ذلك العصر.
تكرار متجدد لطفرات أولترامان
ولكن ما المميز في أولترامان بحيث يحافظ على جاذبيته عبر الأجيال؟ يمكن العثور على الإجابة على ذلك في السحر المتواصل لثقافة وحوش كايجو وسلسلة الأبطال الخارقين بين الأطفال. كان يتعين على الأطفال الذهاب إلى دور السينما لمشاهدة كايجو مثل غودزيلا ورادون وموثرا، ما يجعل من رؤيتهم أمرا نادرا. لكن أولترا كيو قلب هذا المعادلة. حيث بات بإمكان أي شخص لديه جهاز تلفاز تدوير المفتاح ودعوة كايجو إلى غرف المعيشة الخاصة به أسبوعيا. وهذا ما جعل من حضور الوحوش مألوفا جدا في حياة الأطفال، وهو بالضبط ما أدى إلى حدوث طفرة كايجو.
ولكن هذه المتعة تلاشت في عام 1968، وانتهت سلسلة أولترا مع أولترا سيفين في نفس العام. وانتقل الأطفال إلى مشاهدة مسلسلات أنيمي (رسوم متحركة) مرتبطة بالرياضة مثل ’’نجم العمالقة‘‘ و ’’جو البطل‘‘ (تم بثه لاحقا في الخارج باسم Rocky Joe). وفي حين لم يتم إنتاج أبطال خيال علمي حقيقيين جدد، إلا أن المسلسل السابق حقق نجاحا جيدا في بث الإعادة. استحوذ مسلسل أولترامان على وجه الخصوص على نسبة مشاهدة 18%. كان الأمر كما لو أن بركانا من كايجو يغلي تحت السطح ليجذب جيلا جديدا من المعجبين.
بُثت في عام 1970 سلسلة من مقاطع قصيرة مدتها خمس دقائق لا تعرض سوى مشاهد قتال من أولترامان وأولترا سيفين تحت اسم ’’قتال أولترا‘‘. وقد سخر من تلك العروض بعض النقاد باعتبارها محاولة لكسب المال، ولكن تبين أنها تحظى بشعبية كبيرة بين الأطفال، وقد بُثت 195 حلقة منها على مدار عامي 1970 و 1971. وهذا الاهتمام مهد الطريق لسلسلة جديدة بعنوان ’’عودة أولترامان‘‘ والتي قادت إلى طفرة كايجو ثانية.
لا يمكن تسمية ذلك إلا بالمعجزة. فلم يُسمع من قبل عن مسلسل تلفزيوني أثار طفرة أخرى بعد عرضه الأولي. كان النجاح بمثابة مفاجأة حتى لمبتكري المسلسل الذين لم يكونوا مدركين لمدى عمق تجذر أولترامان كشخصية في ثقافة الترفيه للأطفال.
دراما بطل حي
إن أكبر إنجاز لأولترامان كان ابتكار فكرة جديدة لبطل عملاق. كان هناك العديد من الأبطال السابقين في اليابان، مثل ’’قناع ضوء القمر‘‘ و ’’أمير الكوكب‘‘، لكنهم كانوا – مثل البطل الأمريكي سوبرمان الذي كان مصدر إلهام تلك الشخصيات – بحجم إنسان عادي. وهم أيضا لم يكونوا يتحولون (هينشين باللغة اليابانية، وقد تجذرت الكلمة لتصبح مجازا مستخدما حاليا) كما فعل أولترامان. وتمكن مبتكرو أولترامان من خلال التجربة والخطأ من العثور على صيغة جديدة ورائدة.
لعب كاتب يبلغ من العمر 28 عاما يُدعى كينجي تيتسوؤ دورا محوريا في هذا النجاح. فقد كان يعمل في قسم تخطيط السيناريو لدى تسوبورايا برودكشن وكان مفعما بالشغف لتقديم عروض جديدة ومثيرة لعالم التلفزيون. وضع لنفسه ثلاثة أهداف بشأن أولترامان: أن يقدم بطلا خارقا وأن يقدم وحش كايجو جديدا كل حلقة وأن يكون العمل بالألوان الكاملة.
كانت الفرضية التي استند إليها العرض بسيطة وتتمثل في ظهور كايجو أو كائن فضائي في كل حلقة. تحاول ’’دورية العلوم‘‘ التعامل مع هذه الكائنات، لكنها تقع حتما في مشاكل. ثم يأتي أولترامان للإنقاذ. أولترامان كعرض مصمم لجمهور أصغر من جمهور أولترا كيو، لذلك كان مليئا بالحركة. لكن مبتكري العمل كانوا مهتمين بتقديم ما هو أكثر من مجرد روايات بسيطة عن الخير ضد الشر. لقد أرادوا ’’شيئا إضافيا‘‘ من شأنه أن يعلق في أذهان المشاهدين الصغار. هذا هو بالضبط سبب تأثير أولترامان على الأطفال وتاريخ التلفزيون على حد سواء.
يمكن رؤية ’’الشيء الإضافي‘‘ من الحلقة الأولى التي كتبها كينجو مع مدربه كاتب السيناريو سيكيزاوا شينئيتشي. أصل أولترامان من كوكب Nebula M-78 الذي يبعد حوالي 3 ملايين سنة ضوئية عن الأرض، ويؤدي مهمة الدفاع عن السلام في الفضاء. يصل إلى الأرض في مطاردة شرسة لوحش شرير يدعى بيمولار، لكنه يقتل بطريق الخطأ عضو دورية العلوم هاياتا أثناء المطاردة. يعطي قوة حياته للطيار المقتول، ويصبح الاثنان كيانا واحدا. يمكن لهذا الزائر الغامض القادم من الفضاء السحيق أن يتخطى الحد الفاصل بين الحياة والموت نفسه. وفي الحلقة الأخيرة التي كانت بعنوان ’’وداعا، أولترامان‘‘، يصل مدافع آخر بين المجرات من M-78 يدعى زوفي إلى الأرض، وينقذ أولترامان بفصله عن هاياتا. وُلد كينجو ونشأ في أوكيناوا، حيث كان الخط الفاصل بين الحياة والموت غير واضح خلال سنوات الحرب. وبينما كان يتصارع مع هويته المزدوجة كأحد سكان أوكيناوا وكياباني، يبدو أن كينجو دمجهما في الدراما التي ساعد في ابتكارها.
في الحلقة الثانية التي كانت بعنوان ’’أطلق النار على الغازي‘‘، يلعب مفهوم الحياة دورا أكبر. حيث يصل كائن فضائي اسمه بالتان إلى الأرض. وهو فرد من جنس من الكائنات تدمر كوكبه جراء تجارب نووية قام بها عالِم مجنون. قلص الناجون أحجمام أجسادهم إلى مستوى مجهري من أجل السفر في أرجاء الكون بحثا عن منزل جديد، في حكاية عن مخاطر العلم التي تصل إلى حد الجنون. وقد أشرف على الحلقة المخرج إيجيما توشيهيرو الذي أصبح أحد أكثر صانعي الأفلام والأعمال التلفزيونية تميزا في اليابان.
ومن خلال العمل مع كاتب السيناريو ساساكي مامورو، واصل جيسّوجي أكيو إخراج سلسلة من الحلقات الشهيرة، من بينها ’’أشعة كونية مرعبة‘‘ و ’’بيتي هو الأرض‘‘ و ’’هدية من السماء‘‘ و ’’مقبرة الوحش‘‘. كان التصوير السينمائي الدرامي للمخرج جيسّوجي يتكامل مع قصص ساساكي المثيرة، ما رفع مستوى المسلسل إلى الحد الذي يمكن للبالغين الاستمتاع به أيضا.
استفاد أولترامان أيضا من ’’شيء إضافي‘‘ في كونه نتاج عصره. يتأثر كل عمل بالأوقات التي صُنع فيها، ولا يُعد أولترامان استثناء عن ذلك. وإذا كان هناك أي تأثير على الإطلاق، فإنه كان أقوى في أولترامان مقارنة بالأعمال التي أنتجت في تلك الفترة. بدأ عرض العمل لأول مرة في أواخر الستينات عندما كان العلم يتقدم بسرعة فائقة حتى مع اندلاع احتجاجات ضد الحرب في فيتنام. كان هذا أيضا وقتا للنمو الاقتصادي الهائل، وفترة كان اليابانيون فيها مفعمين بالأمل في المستقبل. وقد رأى الأطفال الذين يتطلعون عادة إلى الأمام، في أولترامان بطلا من نوع جديد من أجل التقدم. بطل يستطيع التغلب على أي ألم جسدي أو نفسي لمواجهة أعدائه، ويظهر لنا نوع الشجاعة التي تلهمنا على مر العصور.
(النص الأصلي منشور باللغة اليابانية في 31 مايو/أيار عام 2023. الترجمة من الإنكليزية. الصور من تسوبورايا برودكشن. صورة العنوان: الفضائي بالتان (يسار) أثبت أنه الأكثر شعبية من بين جميع وحوش أولترا، © تسوبورايا برودكشن)