’’تينغو‘‘: مخلوقات أسطورية تطورت عبر التاريخ
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
لعل كل من في اليابان تقريبا يعرف كيف يبدو ’’تينغو‘‘ لكن هذه العفاريت ذات الأنف الطويل لم تتحول أبدا إلى شخصيات لطيفة ذات شعبية، على عكس ’’كابا‘‘. فلتينغو مظهر أكثر بغضا. وقد ارتبطت ارتباطا وثيقا بممارسات الزهد الجبلية لديانة شوغيندو التوفيقية، وغالبا ما يُعتقد أنها شبه آلهة. ربما يكون هذا أحد أسباب عدم احتلالها نفس المكانة في قلوب الناس مثل كابا والعديد من أشباح ’’يوكاي‘‘ الأخرى. فهي تنطوي على شيء مخيف.
هناك أيضا مشكلة أخرى في المظهر، والذي يرجع إلى شكل الأنف.
غالبا ما يُنظر إلى الأنوف البارزة التي تُعد أكثر سمات تينغو وضوحا على أنها رمز لموقف غطرسة من قبل شخص متعجرف. عندما تزداد شعبية شخص في أعين الناس، فمن الشائع أن تسمع أشخاصا آخرين يتمتمون باستنكار قائلين: ’’لقد تحول مؤخرا إلى تينغو حقيقي‘‘. إنه تعبير شائع في اليابان: ’’التصرف مثل تينغو‘‘ وهو ما يعني أن تكون مغرورا أو متكبرا.
في فيلم ’’قاتل الشياطين‘‘ يرتدي أوروكوداكي ساكونجي –المبارز الرئيسي الذي يواجه البطل كامادو تانجيرو– دائما قناع تينغو، لأنه لا يحب أن تضايقه الشياطين بسبب وجهه الوديع ومظهره الحسن. في الأزمنة الغابرة كان إذا فُقد شخص ما يقال في كثير من الأحيان إن الشخص قد ’’اختطف‘‘ أو أخذته الآلهة (كاميكاكوشي). وكان من المعتقد على نطاق واسع أن تينغو مسؤولة عن عمليات الاختطاف تلك.
يبرز أنف تينغو مباشرة من الوجه مثل أنف شخصية بينوكيو (الكرتونية). وتظهر هذه العفاريت بشكل عام بوجوه حمراء وترتدي زي كهنة يامابوشي الزهّاد. ولدى هذه العفاريت زوج من الأجنحة الكبيرة على ظهورها، وغالبا ما تحمل مروحة كبيرة من الريش. هذه هي صورة تينغو في أذهان معظم الناس. أدى الأنف البارز والبشرة الوردية إلى اعتقاد شائع بأن عفاريت التينغو ربما تكون مستوحاة من المظهر غير المألوف لأوائل الأجانب الذين وصلوا إلى اليابان منذ قرون.
الأصول في الصين على شكل ’’كلب سماوي‘‘
على الرغم من شعبية هذه النظرية إلا أن تاريخ تينغو ذات الأنوف الكبيرة حديث على نحو مدهش. فعلى الرغم من أنه يمكن العثور على سجلات لمخلوقات كانت تسمى تينغو منذ القرن السابع، إلا أن تصويرها قد اختلف بشكل كبير على مر القرون، والصورة التي يتخيلها الناس عنهم اليوم لم تثبت إلا خلال فترة إيدو (1603-1868).
في البداية لم تكن مخلوقات التينغو أشباح يوكاي يابانية على الإطلاق. تنحدر أصولها من الصين، حيث كلمة تيانغو مكتوبة بنفس الأحرف (天狗) وتعني ’’كلب سماوي‘‘. كان ذلك المخلوق نوعا من المذنبات أو النيازك المشؤومة، ويعتقد أن هديره عند دخوله الغلاف الجوي للأرض يشبه نباح الكلاب. وحتى يومنا الراهن يُنظر إلى تيانغو على أنه وحش يشبه الكلب في كل من الصين وتايوان.
النسخ اليابانية من الأسطورة: التطور من ثعلب إلى صقر
وصلت أساطير التينغو إلى اليابان في القرن السابع تقريبا. ووفقا لنيهون شوكي (تاريخ اليابان)، في الشهر الثاني من عام 637 شوهد نجم عظيم في السماء يتحرك من الشرق إلى الغرب وسُمع صوت هدير مثل صوت الرعد. شاهد راهب بوذي يُدعى مين الحدث السماوي الغريب واعتقد أن هذا لم يكن نجما عاديا. كان مين قد درس في الصين ضمن إحدى البعثات اليابانية إلى البلاد، ولا بد أن ملاحظته كانت مبنية على المعرفة التي اكتسبها حول الأساطير الصينية عن تيانغو.
كان ظهور تيانغو في الصين نذير حرب. وبعد ذكر تينغو في نيهون شوكي، يروي القسم التالي حكاية انتفاضة قبائل إيزو صعبة المراس في شرق اليابان. ولكن الربط بين تيانغو وتينغو مع الشهب والنيازك لم يترسخ في اليابان. بدلا من ذلك، وصف نيهون شوكي تينغو بالترجمة اليابانية بأنها ’’ثعالب سماوية‘‘. ومنذ حوالي القرن العاشر خلال فترة هييان (794-1185)، كان هناك اعتقاد بأن تينغو مثل الثعالب قادرة على سحر الناس. تذكر حكاية غينجي –المكتوبة في القرن الحادي عشر– مخلوقات ’’تينغو‘‘ على أنها يوكاي مخيفة تشبه العفاريت تخدع الناس وتخطفهم.
في وقت لاحق من فترة هييان وفي العصور الوسطى فيما بعد، أصبح ارتباط التينغو بالسماء يصور بشكل متزايد على أنه أشبه بمظهر الطيور. وفي كثير من الأحيان كان يتم تخيلها على أنها تشبه الطائرات الورقية السوداء (توبي) وغيرها من الطيور الجارحة. تظهر تينغو بشكل متكرر في كونجاكو مونوغاتاري –مجموعة من الحكايات التي تم تجميعها في النصف الأول من القرن الثاني عشر– حيث يتم وصفها غالبا بأنها تشبه الصقر.
التينغو الذي تنبأ بسقوط شوغونية كاماكورا
في نفس الوقت تقريبا الذي اكتسبت فيه تينغو مظهر الطيور، أصبحت مرتبطة بالعفاريت والشياطين الذين كانوا أعداء البوذية اللدودين. عندما جلس بوذا يتأمل تحت شجرة بودهي في سعيه للوصول إلى التنوير، بدا أن الشياطين تصرفه عن تأملاته. وساد اعتقاد أن تينغو مرتبطة بتلك الشياطين المؤذية، وكان يُعتقد أنها تحاول عرقلة الرهبان وإغرائهم لينصرفوا عن حياتهم التعبدية.
نشأ اعتقاد أيضا أن تينغو كان تناسخا للكهنة البوذيين السيئين. عند موت كاهن كبير متعلم صدره مليء بالغضب بعد هزيمته في صراع على السلطة فإنه قد يولد من جديد على صورة تينغو. ونظرا لأنه كان من المفترض أن الكاهن يتسامى على الرغبات الدنيوية ويبدد مشاعره، فإن انتهاء حياته بينما لا يزال يعاني من ارتباطات دنيوية كان بمثابة سقوط مخزٍ من النعمة. وكما هو الحال في الملاك الساقط (في بعض الديانات)، من المعتقد أن هؤلاء الكهنة المتعلمين يولدون من جديد كعفاريت لهم قوى شيطانية.
دخلت اليابان منذ القرن الرابع عشر في فترة من انعدام الاستقرار السياسي والحرب الأهلية، حيث انقسمت السلطة بين بلاطين متنافسين. عملت فترة الاضطرابات تلك على تعزيز وجهة النظر حول مخلوقات التينغو باعتبارها نذير فوضى وصراع. وكان ذلك بمثابة عودة إلى أهميتها الأصلية في الأسطورة الصينية بشكل ما. في الملحمة التاريخية ’’تايهييكي‘‘، يظهر العديد من تينغو أمام ’’هوجو نو تاكاتوكي‘‘ الوصي الأخير لشوغونية كاماكورا، وهم يرقصون ويهتفون: ’’كم نتوق لرؤية نجم الشيطان يتلألأ فوق معبد تينّوجي‘‘. النجم غير الطبيعي المذكور هنا هو نذير حدوث اضطراب إمبراطوري، ويوحي بأن التمرد سيبدأ بالقرب من تينّوجي الذي سيدمر نظام الشوغونية. إن العلاقة بين تينغو والجسم السماوي الغامض تشير أيضا إلى عودة إلى النسخة الصينية من الأساطير. في تلك الأثناء تقريبا كان هناك ميل لتفسير أي شيء خارج عن المألوف على أنه عمل من أعمال تينغو. وبهذا المعنى، أصبحت تينغو أشهر من يمثل الأمور الغريبة في العالم الخارق في اليابان خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
ترقية تينغو في فترة إيدو إلى حالة شبه إلهية
خلال فترة إيدو تغيرت الصورة في أذهان الناس عن التينغو إلى الصورة المألوفة لدينا اليوم. فقد تحولت تينغو من وحوش شبيهة بالطيور إلى شخصيات بشرية ذات أنوف طويلة. ليس من الواضح سبب هذا التغيير. إحدى النظريات هي أن أول شخص يصور تينغو على شكل قريب من مظهره الحديث كان كانو موتونوبو (1476-1559)، الفنان الذي أسهم في بروز مدرسة كانو للرسم. كُلف موتونوبو برسم تينغو وكان يعاني للتوصل لطريقة لمعرفة كيفية تصوير شيء لم يراه من قبل، عندما ظهر له مخلوق غريب في المنام. لقد رسم بالضبط ما رآه في حلمه، وبالتالي كان قادرا على تنفيذ مهمته. وعلى الرغم من أن التينغو الذي رسمه موتونوبو لا يزال موجودا، إلا أنه لا توجد طريقة بطبيعة الحال تمكننا من التحقق من صحة تلك القصة. يمكن العثور على شخصيات ذات أنوف طويلة بشكل غير طبيعي في الفنون الدرامية والتصويرية التي سبقت وقت موتونوبو بوقت طويل، وقد تكون فكرة التينغو طويلة الأنف مستوحاة من هذه النماذج السابقة.
وخلال فترة إيدو أيضا تمت ’’ترقية‘‘ التينغو من مجرد يوكاي إلى شيء قريب من الألوهية. يُنظر إلى تينغو في المقام الأول على أنه كامي الجبال، كما يُنسب إليه الفضل في القدرة على إخماد الحرائق. على سبيل المثال، يشتهر مجسم ’’أكيها غونغين‘‘ المقدس على جبل أكيها في هاماماتسو بمحافظة شيزوؤكا، بقدراته على إخماد الحرائق. وهذا الإله نفسه، الذي اشتق من اسمه اسم حي أكيهابارا ’’جنة أوتاكو‘‘ الشهير بطوكيو، أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بتينغو عملاق يُدعى سانجاكوبو. يبدو أن الاعتقاد بأن تينغو يمكن أن يمنع الحرائق والكوارث الأخرى قد تطور باعتباره الوجه الآخر لسمعتها ككائنات خارقة للطبيعة تشبه العفاريت ولديها القدرة على إشعال الحرائق.
يعتقد الفلكلوري ياناغيتا كونيؤ أن الكثير من أشباح يوكاي هم في الأصل كامي سابقون تم تخفيض منزلتهم بعد أن خسروا أتباعهم لسبب أو لآخر. ولكن من الصعب تطبيق نظرية ياناغيتا على ما نعرفه عن تينغو. فقد عززت هذه المخلوقات سمعتها على مر القرون، حيث ترقت من عفاريت شبيهة بالطيور إلى شيء قريب من كامي كامل في أوج ذروته. في فترة إيدو لم تكن تينغو تعتبر مخلوقات سقطت منزلتها لتصبح عفاريت بسبب عجرفتها، بل كان من الشائع الاعتقاد أنها تؤدّب الناس على غطرستهم. ولم تكن تينغو فترة إيدو –على الرغم من أنوفها الكبيرة– تلك الشخصيات المتغطرسة كما يُنظر إليها غالبا اليوم.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: التينغو الشهير في جبل كوراياما في ساكيو-كو بكيوتو حيث تدرب ميناموتو يوشيتسوني على المبارزة عندما كان صبيا، حقوق الصورة لبيكستا)