«هالو كيتي» تحتفل بخمسين عامًا من النجاح: كيف استطاعت سانريو جذب القلوب بالبساطة؟

ثقافة

مرت خمسون عامًا على ”ولادة“ هالو كيتي، الشخصية الشهيرة التي لا تحمل فمًا، ولكنها سرعان ما أصبحت رمزًا عالميًا محبوبًا. منذ ظهورها لأول مرة، اجتذبت هذه القطة البيضاء البسيطة قلوب الملايين حول العالم، محققةً شهرة واسعة جعلتها تتربع على عرش الثقافة الشعبية. وما كان لهذا النجاح أن يتحقق لولا الابتكار الذي قدمته شركة سانريو، التي أظهرت بذكاء كيف يمكن لشخصية بسيطة أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس عبر الأجيال، وتساهم في تعزيز مكانتها كعلامة تجارية رائدة.

أرباح قياسية

يوافق 1 من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام ذكرى مولد هالو كيتي (ظهرت لأول مرة عام 1974)، وتتزامن الأعياد الرئيسية منها بشكل غريب مع أحداث تاريخية مهمة لشركة سانريو مبتكرة الشخصية. ففي السنة المالية التي انتهت في مارس/آذار لعام 1999 التي شهدت الذكرى السنوية الـ 25 لميلاد كيتي، أعلنت سانريو عن حصولها على أعلى إيرادات لها على الإطلاق بلغت 150 مليار ين. وبعد عقد ونصف، أي في الذكرى الأربعين لميلاد كيتي، أعلنت سانريو أنها حققت مبيعات قياسية بنسبة 36% في الأسواق الخارجية وأرباحا تشغيلية غير مسبوقة بلغت 22 مليار ين للسنة المالية التي انتهت في مارس/آذار 2014. وبعد انخفاض في المبيعات والأرباح لمدة سبع سنوات، حققت الشركة أرباحا تشغيلية بلغت 27 مليار ين للسنة المالية المنتهية في مارس/آذار 2024 (متجاوزة أرباحها لعام 2014) وبلغت قيمتها السوقية أكثر من 700 مليار ين، وذلك قبيل الذكرى الخمسين لميلاد كيتي.

 احتفلت هالو كيتي بنصف قرن من عمرها في عام 2024 (© سانريو 2023).
احتفلت هالو كيتي بنصف قرن من عمرها في عام 2024 (© سانريو 2023).

أحد العوامل التي ساهمت في هذا التعافي الكبير هو تسليم الإدارة في عام 2020 من المدير التنفيذي تسوجي شينتارو، الذي كان يبلغ من العمر 92 عاما آنذاك، إلى حفيده البالغ من العمر 31 عاما تسوجي توموكوني، في أول تغيير لإدارة سانريو منذ عام 1960. وهناك عامل آخر هو انخفاض أهمية مجموعة هالو كيتي في إجمالي مبيعات سانريو على مدى العقد الماضي من 75% إلى 50% فقط، حيث استقلت الشركة عن اعتمادها على هذه الشخصية.

مستوى أداء سانريو

تظهر هالو كيتي في مباراة دوري البيسبول الرئيسي بين فريق لوس أنجلوس دودجرز وفريق سياتل مارينرز، حيث ترمي الكرة الأولى في لوس أنجلوس في 19 أغسطس/آب عام 2024 (© جيجي برس).
تظهر هالو كيتي في مباراة دوري البيسبول الرئيسي بين فريق لوس أنجلوس دودجرز وفريق سياتل مارينرز، حيث ترمي الكرة الأولى في لوس أنجلوس في 19 أغسطس/آب عام 2024 (© جيجي برس).

على خطى شركة سوني

كانت شركة سانريو تُعرف في بداياتها باسم مركز ياماناشي للحرير، وقد تأسست في طوكيو عام 1960 من قبل تسوجي شينتارو، الذي كان يعمل لدى إدارة محافظة ياماناشي. وكانت الشركة تبيع في البداية منتجات الحرير والنبيذ وغيرها من السلع من ياماناشي.

كانت اليابان في ستينات القرن الماضي موطنا لثقافة ناشئة مبنية حول شخصيات خيالية. ففي عام 1959، أنشأت شركة ديزني فرعها الياباني، وأصدرت نينتندو مجموعة ناجحة من أوراق اللعب المزينة بصور ميكي ماوس وشخصيات ديزني الأخرى. وفي الستينات، أطلقت شركة كوكوساي بوكي كايشا، وهي شركة لتسويق واستيراد وتصدير الألعاب والنماذج، دمية باربي في اليابان، بينما أطلقت شركة تاكارا (التي أصبحت الآن تاكارا تومي) دمية ليكا تشان.

وفي عام 1962، أطلق تسوجي المدير التنفيذي لمركز ياماناشي للحرير منديل جيب بنقشة الفراولة، وهي الخطوة الأولى التي بشرت بدخول الشركة في سوق التجارة بمنتجات الشخصيات. وتعاونت الشركة مع مجموعة نشطة من الفنانين من أجل إنتاج مجموعة من الشخصيات الخيالية المحببة. وقد أطلقت في منتصف الستينات مجموعة من التماثيل الخزفية وغيرها من المنتجات المزينة بشخصيات ابتكرها الرسام الشهير ميزوموري أدو، وحققت نجاحا. وبدأت شركة سانريو في السبعينات بتوظيف مصمميها الخاصين، الذين استمروا في ابتكار مجموعة من الشخصيات الفريدة.

المدير التنفيذي لشركة سانريو تسوجي شينتارو يلتقط صورة مع هالو كيتي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2009 (© جيجي برس).
المدير التنفيذي لشركة سانريو تسوجي شينتارو يلتقط صورة مع هالو كيتي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2009 (© جيجي برس).

قامت الشركة بتغيير علامتها التجارية في عام 1973 لتصبح سانريو، والتي يقال إنها اشتقت من كلمتي ”قديس“ و”نهر“ بالإسبانية. ويبدو أن قرار التحول إلى اسم يبدو غربيا كان مدفوعا أيضا برغبة تسوجي في السير على خطى شركة سوني والانتشار على الصعيد العالمي. كانت سوني تُعرف باسم طوكيو تسوشين كوغيو حتى غير المؤسس موريتا أكيو تسمية علامتها التجارية في عام 1955 بهدف التوسع في الخارج، ونجح في تحقيق شهرة في الولايات المتحدة الأمريكية.

قطة بقوس

شرعت شركة سانريو في أوائل السبعينات، إلى تصميم شخصيات خاصة بها بعد أن لاحظت أن شخصية سنوبي، التي اشترت رخصتها في عام 1968، كانت تحظى بشعبية بين المستهلكين. وابتكرت المصممة الشابة شيميزو يوكو في عام 1974 قطة صغيرة ترتدي قوسا. وشعرت أن ملامح وجه كيتي التي ليس لها فم ستجعل الأطفال يرغبون في التحدث إليها.

وفي العام التالي، أصدرت شركة سانريو أول منتج لها على الإطلاق من منتجات هالو كيتي، وهي محفظة نقود معدنية، وقد حققت نجاحا غير متوقع. في البداية، لم يكن للشخصية اسم، وكانت المنتجات التي تحمل صورتها تحمل علامة ”هالو“ فقط، وفي وقت لاحق، تم تسميتها ”كيتي“ نسبة إلى قطة تحمل نفس الاسم كانت تقتنيها أليس في أحد كتب شيميزو المفضلة وهي رواية من تأليف لويس كارول بعنوان ”عبر المرآة، وما وجدته أليس هناك“. وانضم في وقت لاحق إلى كيتي شخصيات أخرى مثل السيد ميلودي وكيكي ولالا وتوكسيدو سام وكيروبي.

في عام 1978، دخلت سوني الشركة التي كان تسوجي معجب بنشاطها، سوق المنتجات من خلال إنشاء شركة تابعة لها أطلقت عليها Sony Creative Products. وقد شهدت فترة الثمانينات ازدهارا في الشخصيات المحلية في اليابان.

ومع تراجع شعبية هالو كيتي بحلول أواخر السبعينات، ساعدت المصممة الرئيسية الثالثة لشركة سانريو، ياماغوتشي هيروكو، التي تم تعيينها في عام 1980، على إعادة إحياء الشخصية. من خلال إظهار كيتي في مجموعة متنوعة من الوضعيات مثل لعب التنس وحمل دمية دب، نجحت ياماغوتشي في تجديد مظهر كيتي وتقديمها بصورة عصرية وأنيقة.

تصدر سانريو من خمسة إلى عشرة شخصيات جديدة كل عام (حتى الآن، لديها 450 شخصية)، على الرغم من أن معظم هذه الشخصيات تختفي من المتاجر بعد بضع سنوات. يمكن أن تعزو هالو كيتي استمراريتها على مدى خمسة عقود إلى التصميم المبتكر وإجراءات الترخيص المرنة.

بالإضافة إلى القدرة على ابتكار تصميماتها الخاصة واستراتيجية تسويق تقوم على ترخيص الشخصيات لاستخدامها في مختلف المنتجات، تستفيد سانريو أيضا من شبكة متاجرها المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. بين عامي 1970 و1999، افتتحت الشركة 200 متجر سانريو. وبعد إدخال متاجر الشركة ضمن المتاجر الكبرى ومتاجر التخفيضات ومنافذ البيع بالتجزئة الأخرى، وصل إجمالي عدد المنافذ التي تبيع منتجات سانريو إلى عدة آلاف. وبفضل نمو شبكة التوزيع والبيع بالتجزئة هذه، قيل إن سانريو استحوذت بحلول تسعينات القرن العشرين على حصة 80% من سوق الهدايا المبتكرة.

تصميمات هالو كيتي على مدار الخمسين عاما الماضية (© سانريو 2023).
تصميمات هالو كيتي على مدار الخمسين عاما الماضية (© سانريو 2023).

تحديات النجاح في الخارج

بالرغم من الأداء المتميز لشركة سانريو في السوق المحلية، إلا أنها واجهت صعوبة في النجاح على المستوى الدولي. بعد تأسيس فرع لها في الولايات المتحدة عام 1974، واصلت الشركة توسعها بنشاط في أوروبا وآسيا وحتى أنها دخلت مجال صناعة الأفلام في هوليوود. ولكن بحلول عام 1986، عندما أرسل تسوجي شينتارو ابنه كونيهيكو ليكون المدير التمثيلي الرابع لفرع الولايات المتحدة، وصلت الخسائر التراكمية للفرع إلى 3.6 مليار ين. ومع افتقار الشركة إلى قنوات توزيع كافية، اضطر كونيهيكو إلى التجول بالكتالوجات والمنتجات في أنحاء أمريكا الشمالية، وتوسيع قنوات البيع بجهود جبارة.

وخلال هذه الفترة، وسع مبتكر الشخصية شبكته من منافذ Sanrio Gift Gate إلى المدن الداخلية والإقليمية التي لم يكن هناك الكثير لفعله فيها، وكان يشحن طوال الوقت منتجات سانريو الجديدة إلى شبكة البيع بالتجزئة الخاصة به. لقد أسست هذه الجهود ما يطلق عليه ”الطبقة الجيولوجية الأولى“ لاستراتيجية هالو كيتي في الولايات المتحدة. ومع مرور الوقت، تراكمت في ذاكرة كل جيل تلك التذكارات اليابانية المحببة التي لعبوا بها وهم أطفال حتى أصبحت ذكريات جماعية ترسخت في ذاكرة عدة أجيال متتالية. وبهذا الشكل تسللت هالو كيتي إلى السوق الأمريكية.

في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت سانريو بتطوير وتصميم منتجات للسوق الأمريكية محليا، بالتعاون مع العلامات التجارية الفاخرة للمجوهرات ومستحضرات التجميل والأزياء. وقد لاقت هذه الابتكارات ترحيبا من بعض المشاهير مثل ماريا كاري وباريس هيلتون وكاتي بيري وليدي غاغا. وجميعهن تذكرن إعجابهن بمنتجات سانريو المحببة خلال طفولتهن في الثمانينات والتسعينات. وقد مكّن التعاون بين هالو كيتي وLMVH وSzarkowski وغيرها من العلامات التجارية الفاخرة الجيل الذي وقع في حب سانريو كأطفال من مواصلة تقدير هذه العلامة التجارية والتباهي بها في مرحلة البلوغ. وقد تضافرت هذه الظاهرة مع ظهور عصر وسائل التواصل الاجتماعي لخلق بيئة يتشارك فيها المشاهير حبهم لـهالو كيتي من خلال حمل وارتداء منتجات تحمل علامتها التجارية، ما أضفى جاذبية جديدة تماما على هالو كيتي.

مبيعات سانريو حسب المنطقة

لدى شركة سانريو اليوم نشاطا في أكثر من 130 دولة ومنطقة. في السنة المالية التي انتهت في مارس/آذار عام 2004، تجاوزت مبيعاتها الخارجية 10 مليارات ين، ولكن بعد عقد من الزمان ارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 30 مليار ين.

التعافي من ركود العقد الأول من القرن الحادي والعشرين

في عام 2013، توفي نائب المدير التنفيذي الأول تسوجي كونيهيكو، الذي كان يشرف على نشاطات سانريو في الخارج، فجأة عن عمر يناهز 61 عاما. في يناير/كانون الثاني التالي، انضم توموكوني حفيد تسوجي شينتارو إلى الشركة. ولكن حتى بعد تسجيل أرباح تشغيلية قياسية في السنة المالية المنتهية في مارس/آذار 2014، بدأت الشركة في التعثر.

في عام 2020، تولى توموكوني منصب المدير التنفيذي وقام بتجديد الهيكل التنفيذي للشركة من خلال استقطاب المواهب الخارجية، وبهذه العملية خفض متوسط ​​أعمار الشركة من 65 إلى 50 عاما. في سعيها لبدء النمو من جديد، شرعت سانريو في إصلاح ثقافتها وهيكلها التنظيمي. ويظهر ذلك جليا في توسع أعمالها الرقمية. أصبحت سانريو الآن جزءا من سوق روبلوكس (منصة ألعاب عبر الإنترنت يمكن للمستخدمين من خلالها إنشاء الألعاب ومشاركتها) كما تعمل أيضا على تطوير مشاريع في بيئة الأعمال ويب 3 حيث تدير نسخة افتراضية من متنزه بورولاند الترفيهي الخاص بها.

فتحت سانريو بقرار بسيط إجراءات الترخيص أمام الشركاء الرقميين وحددت هدفا يتمثل في زيادة ما تسميه ”وقت سانريو“ لدى المستهلكين ( الوقت الذي يقضونه في استخدام المنتجات ذات العلامة التجارية والتفاعل مع ألعاب الفيديو والمحتوى الذي يتضمن شخصيات سانريو). كما قامت الشركة بتحديث شعارها المؤسسي من ”Small Gift, Big Smile“ إلى ”One World, Connecting Smiles“ وهما عبارتان تعكسان هدفها المتمثل في ”التآلف بين الجميع“.

الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لسانريو هو أن تستمر شخصياتها في ”التآلف معا“ في الفضاءات التي يواجهها المستهلكون من خلال إجراءات ترخيص حكيمة مع مجموعة من القطاعات. تعمل سانريو حاليا على إعادة صياغة إجراءات الترخيص لمواكبة التغيرات.

يمكننا أن نتوقع أن نرى هالو كيتي والعديد من شخصيات سانريو الأخرى في المستقبل تزيد من وجودها في الفضاءات الرقمية. وعلى الرغم من أن كيتي هي شخصية بلا فم وليس لها خلفية درامية ولم تظهر أبدا في أي مانغا أو أنمي، إلا أنها حافظت على وجود مستمر في سوق المنتجات داخل اليابان وخارجها لأكثر من 50 عاما. ربما يكمن سر نجاحها في بساطتها.

في عصر يفيض بأنواع جديدة من المحتوى، يبدو أن شخصية خيالية لطيفة وغير متطفلة مثل كيتي تمنح الناس إحساسا بالراحة. فهي رفيقة هادئة، ومع استمرارها في تكديس ذكريات جيل بعد جيل بين الأطفال الصغار، ستظل محبوبة.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2024، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: عرض أقيم للاحتفال بالذكرى السنوية الخمسين لهالو كيتي في مهرجان ياباني أقيم في يوليو/تموز 2024 في ساو باولو في البرازيل. © روبرتو كاسيميرو/فوتوارينا عبر زوما برس/كيودو)

مانغا ثقافة أنيمي ثقافة شعبية