هل تنجح اليابان في سن قوانين لدعم الأسر المعوزة ماديًا؟
مجتمع- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
فخ العمل بدوام جزئي
تقول أوتا مايومي البالغة من العمر 38 عامًا وتسكن في مدينة كومايه بطوكيو، "قبل أن أتزوج ، كنت أبلي بلاءً حسناً في حياتي المهنية، وكنت أنوي العودة إلى العمل كموظفة بدوام كامل بعد أن يكبر أطفالي قليلاً، لكسب المال اللازم لدفع تكاليف تعليمهم الجامعي. "(تم تغيير أسماء النساء الواردة في هذه القصة لحماية خصوصيتهم) بعض الأمهات العازبات كانت لديهن نفس التطلعات مثلها، ولكن الحقيقة هي أن السواد الأعظم منهن عالقات في وظائف بدوام جزئي منخفضة الأجر، وظائف بدوام جزئي، دون أمل في شغل وظائف بدوام كامل والحصول على أجر أفضل.
ظهرت نساء أخريات لديهن نفس الظروف في مقالي السابق في هذه السلسلة. واكاسا أياكا هي أم عزباء في العقد الرابع من العمر تسكن في العاصمة طوكيو، اضطرت لإيجاد وظيفة بعد طلاقها لكن قدرتها المحدودة على كسب المال جعلتها تصطدم بالأمر الواقع. في السنوات الجيدة، كان زوجها السابق يحصل على 6 ملايين ين سنوياً، لكن الآن وقد أصبحت العائل الوحيد لأسرتها فإن دخلها السنوي الذي يشمل راتبها من وظيفة تشغلها بدوام جزئي في مجال الرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى مخصصات رعاية وتربية الأطفال، يبلغ حوالي 2.5 مليون ين.
هي على يقين من أنها تبذل في عملها نفس الجهد الذي يبذله الموظفون الدائمون الذكور من خريجي الجامعات، إن لم تكن تبذل جهداً أكثر منهم، ولذلك تجد صعوبة في تقبل الفجوة في الأجور في مكان عملها. لقد فكرت في البحث عن وظيفة بدوام كامل، لكن ابنها البالغ من العمر 14 عامًا لا يذهب للمدرسة في الوقت الحالي، إنه بمفرده في المنزل طوال اليوم وإذا عملت في وظيفة بدوام كامل فسيكون من الصعب عليها أن تأخذ إجازة بشكل فجائي، لذلك فقد تخلت عن هذه الفكرة.
ياهاغي مادوكا امرأة في الثلاثينات من عمرها تعمل في مجال التوزيع وانتقلت من وظيفة إلى أخرى بشكل متكرر. حالياً تعمل في مركز لتأمين الطلبات، لكنه عمل بدني شاق ولذلك فهي تفكر في تغيير وظيفتها مرة أخرى. "لم أعمل أبداً في وظيفة بدوام كامل ولذا فإن البحث عن هذا النوع من العمل الآن أمر غير وارد. تقول "سأبحث عن وظيفة أخرى بدوام جزئي". ابنتها البالغة من العمر سبع سنوات ستستمر في الحصول على رعاية ما بعد المدرسة لمدة عام آخر فقط، وحيث أنها ليس بوسعها إرسالها إلى التدريب الأكاديمي في مرحلة ما بعد المدرسة، فسوف يتعين عليها تقليص عدد ساعات عملها حتى تتمكن من العودة إلى المنزل لرعاية ابنتها بعد المدرسة، رغم ما سيؤدي إليه هذا من انخفاض راتبها بشكل أكبر.
الآباء العزاب
إن الكفاح من أجل إعالة الأطفال ليست مقصورة على الأمهات العازبات فقط. فهناك العديد من الرجال الذين اضطروا إلى العمل في وظائف غير مستقرة وغير منتظمة في السنوات التي تلت ما يعرف بعصر الجمود الوظيفي من عام 1993 إلى عام 2004، ورغم أنهم لم يرتكبوا أي خطأ يذكر، إلا أنهم لم يتمكنوا من العمل كموظفين منتظمين في وظائف بدوام كامل، وتوجد العديد من العائلات التي يعولها أب أعزب. وفقًا للأرقام التي قامت بجمعها آبي آيا وهي أستاذة علوم اجتماعية بجامعة طوكيو متروبوليتان، فإن معدل الفقر مرتفع نسبياً بين الأسر التي يعولها أب أعزب حيث يصل إلى 22.4%، إلا أنه يظل أقل من معدل الفقر بين الأسر التي تعولها أم عزباء.
كذلك، فإن الآباء العزاب ينجحون في إيصال أصواتهم. يقول موراكامي يوشينوبو، رئيس مجموعة دعم الآباء العزاب التي بدأت في عام 2008 ، "بالنظر إلى العدد المتزايد من الناس العاملين في وظائف بدوام جزئي وغير مستقرة والأزمة المالية العالمية في عام 2008، لم يعد من المنطقي التعامل مع الأسر ذات العائل الواحد بطريقة مختلفة وفقاً لما إذا كان رب الأسرة رجلاً أم امرأة. "لقد كان لاحتجاجات مجموعته لدى السلطات نتائح إيجابية، حيث أصبح من حق الأسر التي يعولها أب أعزب الحصول على مخصصات تربية الأطفال بدءاً من عام 2010، وكانت فيما مضى مخصصات مستحقة فقط للأسر التي تعولها أم عزباء، طالما لم يتجاوز دخلهم السنوي الحد المقرر مسبقاً.
هيكل الأجور "10-8-6-4"
في خطاب ألقته في مايو 2014، لاحظت السفيرة الأمريكية لدى اليابان حينها كارولين كينيدي أن اليابان هي "البلد الوحيد الذي لا تقلل فيه الوظائف من معدل الفقر". في الواقع، وفقاً لدراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2014، وهي تعد أحدث البيانات المتاحة في هذا الصدد، احتلت اليابان المرتبة الأولى بين 33 دولة من حيث الفقر النسبي بين الأسر ذات العائل الواحد. وفقًا لهذه الدراسة، فإنه بالرغم من كون معدل مشاركة الأمهات اليابانيات في سوق العمل هو الأعلى على مستوى العالم، إلا أن معدل الفقر بين هذه المجموعة يبلغ 50.8%.
الهيكل المتمايز للأجور في اليابان هو المسؤول عن هذه الظاهرة. يقول يواسا ماكوتو، وهو أستاذ معيّن خصيصًا في جامعة طوكيو ورئيس منظمة غير ربحية تدعم كافيتريات الأطفال، أن الأجور المنخفضة للأمهات العازبات هي نتيجة لتفاوت مزدوج: فجوة الأجور القائمة على النوع الاجتماعي والفجوة في الأجور بين العمالة المنتظمة وغير المنتظمة. وبحسب كلامه، على مقياس يمثل الأجور بالساعة، سجّل الرجال العاملون في وظائف منتظمة 10، بينما سجّلت النساء العاملات في وظائف منتظمة 8، وسجّل الرجال العاملون في وظائف غير منتظمة 6، بينما سجّلت النساء العاملات في وظائف غير منتظمة 4 فقط.
في العائلات التي يجني فيها العائل 10، وهو ما يكفي لدعم الأسرة بأكملها، فإن زوجته في المنزل التي تجني 4 مقابل العمل بدوام جزئي، سيكون لديها الكثير من مصروف الجيب لتنفقه على وجبات الغداء مع الأصدقاء والسفر. يؤكد يواسا على أن هذا النوع من التفكير يستند إلى النموذج الاقتصادي الذي ساد إبان سنوات النمو الاقتصادي المطرد في اليابان في الستينيات والسبعينيات، عندما كانت القاعدة هي أن يستمر عائل الأسرة الرجل في العمل مدى الحياة. لكن هذا النموذج لم يعد يصلح في الوقت الحاضر، حيث أصبح من الوارد جداً أن يجد العائل الرئيسي للأسرة نفسه خارج الوظيفة فجأة بسبب تقليص عدد الموظفين في الشركة، أو إذا تطلق الزوجان وأصبحت المرأة ملزمة بإعالة نفسها وأطفالها. لا تستطيع أي امرأة إعالة أسرتها اعتماداً على ما تحصل عليه من أجر مقابل عملها في وظيفة بدوام جزئي فقط.
أجور متساوية لأعمال متساوية
وفي الوقت نفسه، فإن معدل الفقر بين الأسر ذات العائل الواحد في أوروبا منخفض نسبياً. وفقًا لما قالته البروفيسور آبي من جامعة طوكيو متروبوليتان، فإن السبب في ذلك هو أن الأجور القائمة على نوع المهنة في الأسواق الأوروبية تكون غالباً محددة مسبقًا ولا توجد فروق في معدلات الأجور بالساعة عن نفس العمل. قد يختلف إجمالي الأجور لكل مهنة، لكن بشكل عام يكون هذا الاختلاف وفقاً لعدد ساعات العمل. أظهرت دراسة أجراها المعهد الياباني لسياسة العمل والتدريب بناءً على أرقام قابلة للمقارنة مع الدراسة التي أجريت عام 2014 أنه عندما تتم الإشارة إلى أجور العاملين بدوام كامل بالرقم 100، فإن مستويات الأجور للعاملين بدوام جزئي في أوروبا تتراوح من 66.4 (إيطاليا) إلى 86.6 (فرنسا) مقابل 56.6 لليابان.
في الأول من أبريل/ نيسان 2020، سيصبح قانون "أجور متساوية لأعمال متساوية" ساري المفعول في اليابان. ووفقًا لما تقوله البروفسور آبي، يجد المراقبون الأجانب صعوبة في فهم سبب وجود مستويين في هيكل الأجور في اليابان، حيث يتم دفع أجور مختلفة عن نفس العمل الذي يقوم به الموظفون "بدوام كامل" والموظفون "بدوام جزئي"، وبالتالي فإنه يؤدي حتمًا إلى خلق فوارق كبيرة في الأجور. وكما توضح لنا، في حالة وجود اثنين من سائقي الشاحنات الذين توظفهما نفس الشركة يقومان بنفس العمل، فإن الشخص الذي يعمل كموظف بدوام كامل معرض لأن يتم نقله إلى وظيفة أخرى أو إلى تغيير المهام الموكلة إليه بشكل مفاجئ؛ وفي مقابل ذلك يحصل السائق الذي يعمل بدوام كامل على أجر أعلى من الموظف الذي يعمل بدوام جزئي. غير أن القانون الجديد يهدف إلى القضاء على الاختلافات غير المنطقية بين الأجور.
ولكن وفقًا لما قاله كيم ميونجون كبير الباحثين بمعهد أبحاث NLI ، فلن يكون من السهل تضييق الفجوة في الأجور نظراً لكون مسؤولية وضع القواعد للمحاكم من أجل إصدار أحكام في القضايا المعروضة عليها بشأن ما يمكن اعتباره فروقاً "غير منطقية" في الأجور، تعود إلى العمل والإدارة. تقول البروفيسور آبي أنه على الرغم من أن القانون الجديد يسير في الاتجاه الصحيح فيما يتعلق بكونه يعكس الاتجاهات الاجتماعية المعنية، إلا أنها تتحفظ في تقييمها لإمكانيات نجاح هذا القانون في الحيلولة دون تشكل طبقتين في هيكل سوق العمل.
مجتمع طبقي
تؤكد البروفيسور آبي أيضًا على أن قلة الدعم الحكومي سبب آخر لارتفاع معدل الفقر بين العائلات التي يعولها فرد واحد في اليابان. فقد ترغب بعض الأمهات العازبات في الحصول على عمل بدوام كامل، ولكن بسبب حاجتهن إلى قضاء وقت أطول مع أطفالهن لرعايتهم، فإن معظم الأمهات العازبات لا يملكن خياراً آخر سوى الاستمرار في العمل بدوام جزئي. وتقول إنه حتى مع تطبيق القانون الجديد، فسيكون من الصعب التنبؤ بما إذا كانت أجور العمل بدوام جزئي سترتفع في بعض المهن. وبالنسبة للآباء العزاب الذين لا يكسبون ما يكفي من المال، فلا بد من توسيع نطاق الحصول على مساعدات حكومية وذلك عن طريق تسهيل عملية التقدم بطلب للحصول على الرعاية الاجتماعية وما إلى ذلك.
لقد درست البروفيسور آبي جوانب مختلفة تتعلق بتأثير الظروف الاقتصادية التي تعيشها هذه الأسر على الأطفال، وتؤكد أن كل المشاكل التي يصادفها الأطفال في المدرسة من ضعف الأداء الأكاديمي أو التنمر أو رفض الالتحاق بالمدرسة وحتى ضعف الثقة بالنفس ونقص التحمل البدني وصولاً إلى مشاكل الأسنان، جميعها ترتبط ارتباطًا وطيدًا بالأوضاع المالية للأسرة.
تعيش اليابان اليوم في وقت أصبح فيه المال أكثر أهمية من ذي قبل. ولهذا عواقبه الوخيمة على الأطفال أيضًا، نظرًا لأن مستوى تحصيلهم العلمي في المستقبل قد يعتمد على ما إذا كان آباؤهم يستطيعون دفع تكاليف التدريب الأكاديمي في مرحلة ما بعد المدرسة ليضمنوا لهم مكاناً في أرقى الجامعات مما يعد خطوة أولى على طريق ضمان مستقبل واعد لهم. وتستنتج البروفيسور آبي أن هذا هو السبب في تزايد تـأثير الفقر على الأطفال، ومن ثم تحول اليابان إلى مجتمع طبقي.
(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة العنوان: كاتو ماساشي مسؤول في مؤسسة أشيناغا التي توفر التمويل التعليمي وأنشطة الدعم للأطفال الأيتام أو الذين ينتمون لعائلات يعولها فرد واحد (في أقصى اليسار) في مجلس المستشارين الياباني، وهو مبتهج بقرار تفعيل قانون تعزيز تدابير مكافحة فقر الأطفال. الصورة من جيجي).
حول "الفقر النسبي"
يشير الفقر المدقع، كما يظهر في بعض دول العالم النامي، إلى نقص الغذاء والرعاية الصحية وغيرها من ضرورات الحياة بسبب انخفاض الدخل أو عدم وجوده. وفي الوقت نفسه، يحدث الفقر النسبي عندما يكون دخل الأسرة أقل بكثير من متوسط مستوى المعيشة في مجتمع معين. يشير معدل الفقر النسبي إلى النسبة المئوية للأشخاص الذين يقل دخلهم عن خط الفقر ، كما تم حسابه بواسطة صيغة رياضية. على سبيل المثال ، كان معدل الفقر النسبي في اليابان البالغ 50.8٪ للأسر ذات العائل الواحد في عام 2015 يعني أن أسرة واحدة من كل أسرة معيشية ذات أسرة وحيدة (تم تعديلها حسب عدد الأفراد في الأسرة) تحصل على دخل سنوي أقل من عتبة الفقر البالغة 1.22 مليون ين.