صخب الاشتباكات وروح القتال: المهرجانات اليابانية بنكهة تقليدية
سياحة وسفر
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
طقوس محتدمة
غالبًا ما تشتمل القرابين المقدمة للآلهة في المهرجانات اليابانية على عناصر متنوعة مثل الطعام والعروض الترفيهية والصلاة، كوسيلة لاسترضاء القوى الطبيعية وتقديم الشكر على النعم. ولكن هناك طقوسًا فريدة تعتمد بشكل أساسي على استعراض القوة الجسدية والطاقات الطبيعية الكامنة، والتي قد تبدو خطيرة لدرجة أنه لولا كونها جزءًا من التقاليد الراسخة في المجتمع، لكانت ربما محظورة.
تتنوع هذه المهرجانات القائمة على المنافسة والقتال، وتنقسم إلى عدة أنواع. أحدها سباق يتنافس فيه المشاركون للفوز بجائزة قيمة، وغالبًا ما يتطلب هذا السباق إظهار القوة والتحمل. وهناك نوع آخر يضم فرقًا تتنافس في مواجهات حامية، حيث يُعتقد أن النتيجة قد تنبئ بما إذا كان موسم الحصاد أو الصيد سيكون وفيرًا. أما النوع الثالث فهو يتضمن مشاجرات بين الـ ”ميكوشي“، وهي المحفات المقدسة المحمولة التي يتم تهشيمها ببعضها البعض في مشهد مثير للغاية. وفي بعض الأحيان، تنتهي هذه الطقوس بحرق المحفات، مما يعكس الطبيعة الزائلة لهذه الأحداث السنوية الاحتفالية.
في العديد من هذه المهرجانات، يكون الفائز محددًا مسبقًا، ويتم تنفيذ معارك المحفات أو المنافسات الأخرى وفقًا لنصوص مكتوبة بعناية، مما يسمح للمشاركين والجمهور بالانغماس في الحدث دون الخوف من إصابات خطيرة. رغم ذلك، تبقى هذه الطقوس رمزًا للهوية الثقافية والمجتمعية، وتحظى بتقدير كبير ضمن نسيج الحياة الدينية والاجتماعية. فيما يلي مقدمة لثلاثة من أشهر مهرجانات القتال في اليابان.
دوسوجين ماتسوري
(من 13 لـ 15 يناير/ كانون الثاني، قرية نوزاوا أونسن، محافظة ناغانو)
قرية نوزاوا أونسن هي واحدة من أبرز الوجهات السياحية في اليابان التي تجمع بين الينابيع الساخنة والمناظر الطبيعية الخلابة. تحمل القرية اسم ”أونسن“ نظرًا لشهرتها الكبيرة بوجود 13 حمامًا عامًا، تشكل جزءًا من تراثها الغني كمركز للاسترخاء والعلاج الطبيعي. كما تشتهر القرية بتلالها الثلجية المثالية للتزلج، والتي تجتذب حوالي 140 ألف زائر سنويًا، من بينهم متزلجون ومتزحلقون على الجليد من مختلف أنحاء العالم، مما يجعلها مكانًا شعبيًا خلال فصل الشتاء.
إلى جانب سمعتها كمنتجع هادئ، تحتضن نوزاوا أونسن واحدًا من أكثر المهرجانات خطورة في اليابان، وهو ”دوسوجين ماتسوري“ الذي يقام في 15 يناير/ كانون الثاني من كل عام. يُعد هذا المهرجان جزءًا من التراث الثقافي والديني للقرية، ويشتهر بكونه احتفالية نارية مليئة بالحماس والشجاعة.
يرتبط الـ”دوسوجين“ بآلهة الحماية التقليدية، والتي تُوضع تماثيلها على أطراف القرى الصغيرة وعند تقاطعات الطرق وفي ممرات الجبال، لتوفير الحماية من الأرواح الشريرة وضمان سلامة السكان. كما يُعتقد أن هذه الآلهة تستجيب للصلوات المتعلقة بالإنجاب، والولادة الآمنة، ورعاية الأطفال. في نوزاوا أونسن، غالبًا ما يتم تصويرها كزوج من الذكر والأنثى، وتظهر تماثيلهم ليس فقط على طول الطرق، بل أيضًا في المتاجر والنُزل والمطاعم.
في العديد من مناطق شرق اليابان، يتم الاحتفال بـ”دوسوجين“ خلال فترة ”كوشوغاتسو“، التي تقع تقريبًا في منتصف يناير/ كانون الثاني، حيث تُحرق زينة رأس السنة الجديدة ولوحات الخطاطة القديمة جنبًا إلى جنب مع التمائم السابقة في نار طقوسية. ومع ذلك، يتميز ”مهرجان دوسوجين الناري“ في نوزاوا أونسن بأنه فريد من نوعه، حيث تشهد فعالياته مشاهد نارية وحشية تضفي عليه طابعًا احتفاليًا قويًا، وتجذب الحشود للاستمتاع بجو ملتهب من التحديات والقوة.
يبدأ المهرجان في الثالث عشر من يناير/ كانون الثاني، عندما يتم جلب الأشجار المقدسة وغيرها من المواد الغابية إلى القرية من الجبال القريبة. ومن الصباح الباكر التالي وحتى منتصف نهار الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني، يتم بناء ”الشادن“ ـ وهو برج يرتفع أكثر من عشرة أمتار ـ باستخدام أساليب البناء التقليدية، بدون مسامير أو أسلاك. ويستمر بناء الهيكل الرئيسي للمهرجان طوال الليل.
ويتم تركيب فوانيس خشبية مزخرفة يبلغ ارتفاعها تسعة أمتار على جانبي الـ ”الشادن“. ويتم تقديم القرابين لهذه الفوانيس من قبل العائلات التي ولد ابنها الأول في العام السابق للصلاة من أجل نمو ونضوج الطفل بشكل آمن وصحي.
ويبلغ المهرجان ذروته في المعركة التي تقام في ليلة الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني بين ممثلي المجتمع المحلي حاملي المشاعل ـ مسؤولي الجمعيات المحلية، وأولئك الذين قدموا القرابين، وغيرهم من البالغين والأطفال ـ الذين يقتحمون الـ ”الشادن“ في موجات. ويحرس الـ ”الشادن“ رجال من القرويين في عامهم ”غير المحظوظ“: حيث يقف رجال في ”الثانية والأربعين“ من عمرهم على السطح ورجال في الخامسة والعشرين من العمر يقفون حول المدخل الرئيسي لإسقاط المشاعل التي يطلقها المهاجمون. وتعلو أصوات الحشود، ويهتفون للشباب الذين يصدون الهجوم المتواصل.
وعادة، بعد حوالي ساعة ونصف، تشتعل النيران في الـ ”الشادن“ أخيرًا. ويتوقف القتال، مما يسمح لمن هم على السطح بالنزول، ويشتعل الـ ”الشادن“، جنبًا إلى جنب مع الفوانيس الخشبية، وتسقط على الأرض. ويُعتقد أن النيران تطرد الأرواح الشريرة من الفئات العمرية ”غير المحظوظة“، مما يضمن عامًا ناجحًا لجميع القرويين. ويتم أخذ الرماد إلى المنزل في اليوم التالي كتعويذة لدرء الحرائق.
توريو ماتسوري
(في اليوم السابق لأول يوم من سنة الأرنب في ديسمبر/ كانون الأول، مدينة إماري، محافظة ساغا)
يعد ”توري ماتسوري“ مهرجانًا آخر يتميز بمواجهات نارية بين المقاتلين. ويُقام في معبد يُدعى ”كامينوهارا هاتشيمانغو“ في مدينة إماري، غرب محافظة ساغا، ويجمع بين أبناء الرعية الأكبر سنًا الذين يسعون إلى حماية ”جوكو سان“ - سلة من كرات الأرز - ضد المهاجمين الأصغر سنًا. ويُعتقد أن أصوله تعود إلى حوالي 700 عام، عندما سعى أحد القادة العسكريين الذي هُزم في معركة بين البلاط الشمالي والجنوبي إلى إعادة تجميع صفوفه من خلال تدريب رجاله على مقاومة الهجمات المليئة بالنيران. وتطور الأمر لاحقًا إلى طقوس لتقديم الصلاة من أجل الحصاد الوفير.
وفي يوم المهرجان، يقوم السكان الذكور بتكوير وضغط الأرز اللزج في 833 كرة. وفي الليل، يضع المعنيين بحماية الـ ”جوكو سان“ الكرات في سلة من الخيزران تسمى ”تيبو“ ويحملونها إلى المعبد. ويستخدمون المشاعل لصد المهاجمين، الذين يستفزونهم من الخلف.
وبمجرد دخولهم إلى المعبد، يتم رش المهاجمين بدلو من الماء كطقوس تطهير، ثم تبدأ المعركة على كرات الأرز. ويتبادل الجانبان المبارزة اللفظية بينما تتطاير الشرارات من المشاعل التي يتم ضربها على السور وعلى الأرض. وبعد حوالي 15 دقيقة من القتال العنيف، يستولى المهاجمون الشباب على السلة، الأمر الذي يؤدي إلى توقف الاشتباك. ثم يتم إخراج كرات الأرز من السلة وتوزيعها على سكان البلدة المجتمعين كقرابين لصحتهم وطول أعمارهم.
إيمازو أوميكوشي
(7 أكتوبر/ تشرين الأول. مدينة ماتسوياما، محافظة إهيمي)
تشتهر مدينة ماتسوياما، عاصمة محافظة إهيمي الواقعة على جزيرة شيكوكو، بمهرجاناتها الخريفية العديدة المفعمة بالحيوية، حيث تُلقى معابد الـ ”ميكوشي“ –المحفة الدينية المقدسة– المحمولة في الأنهار أو تُهشم في بعضها البعض للصلاة من أجل صيد الأسماك وحصادها الوفير. ومن بين أكثر المهرجانات صخبًا مهرجان ”إيمازو أوميكوشي“ في نيشيهابو، وهو مجتمع صيد في الزاوية الجنوبية الغربية من المدينة، حيث يتنافس الأشخاص القدامى الذين يطلق عليهم ”إيموتشي“ الأكبر سنًا مع الأصغر سنًا على الـ ”ميكوشي“.
ويركز المهرجان على معبدي ”ميشيما دايميوجين“ و ”سومييوشي“ المتواجدين في المنطقة. وفي المساء الذي يسبق المهرجان، يتم عرض اثنين من الـ ميكوشي ضخام الحجم حول أراضي معبد ”ميشيما دايميوجين“ – حيث يحمل رجال الـ ”إيموتشي“ إحدى الـ ”ميكوشي“ القديمة، والرجال الأصغر سنًا يحملون المعبد المحمول المحفوظ من مهرجان العام السابق. ويجب إصلاح الـ ”ميكوشي“ التالف من المهرجان السابق أو بناء آخر جديد - وهي عملية قد تستغرق نصف عام.
وفي صباح المهرجان، يتم نقل محفتي الـ ”ميكوشي“ إلى معبد ”سومييوشي“، حيث يقال أن الأرواح الإلهية تصعد على المحفات، ومن هناك يتم عرضها على مدار الساعات العشر التالية عبر شوارع المدينة. حيث يزورون منازل أبناء الرعية ويسببون صخبًا كبيرًا، وأحيانًا يتلفون جدران وأسقف المدخل. ومع ذلك، لا يبذل السكان عادة أي جهد لإصلاح مثل هذه الشروخ، معتبرين إياها علامات مبشرة خلفتها الآلهة المحلية.
وفي الليل، يعود الـ ”ميكوشي“ إلى معبد ”سومييوشي“، مع الفوانيس التي تضيء الطريق. وأول من يصل هم الـ ”إيموتشي“، الذين ينتظرون وصول المجموعة الأصغر سنًا عند بوابة المعبد. وهذا يمهد الطريق للصراع بين الفريقين على ثلاث مراحل.
ويصرخ زعيم المجموعة الأصغر سنًا على زملائه، ويحفزهم للمعركة المقبلة. ويهاجم حاملو الـ ”ميكوشي“ البوابة، سعياً لاختراق المتاريس التي يفرضها الرجال الأكبر سنًا، الذين يعتزمون عدم السماح للصغار بدخول المعبد دون قتال. وأثناء المشاجرة المحتدمة، يتم إسقاط الـ ”ميكوشي“ بالقوة على الأرض، جنبًا إلى جنب مع أولئك الذين على متنها.
وبمجرد أن يلامس الـ ”ميكوشي“ الأرض، تتبادل المجموعتان كل منهما مكان الآخر. وهذه المرة، يهرع الـ ”إيموتشي“ بحماس نحو البوابة بينما يحاول الشباب إيقافهم في مساراتهم وإسقاط الـ ”ميكوشي“. ثم تتكرر الغارات من كلا الجانبين، مرة أخرى مع سقوط الـ ”ميكوشي“ وفرسانه على الأرض.
في الجولة الثالثة، ومع ارتفاع مستوى التوتر، تنجح المجموعة الأصغر سناً أخيراً في اختراق الحصار. ورغم أن الصراع السنوي يتسم بالندية والتنافسية، إلا أنه يرمز أيضاً إلى رغبة الأعضاء الأكبر سناً في تكليف الجيل الأصغر بمهام المستقبل ــ وهي فرصة للمجتمع لكي يتحد كجسد واحد.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. التواريخ المذكورة هي تلك التي تقام فيها المهرجانات عادةً. صورة الموضوع: مشهد من مهرجان ”دوسوجين ماتسوري“. © مكتبة هاغا)