حقائق عن إدراج مواقع ثورة ميجي الصناعية في اليابان على قائمة التراث العالمي: الأهمية والقضايا الناشئة عنها
سياسة مجتمع ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
في يوم ٨ يوليو/تموز ٢٠١٥ أدرجت لجنة التراث العالمي لليونسكو رسميا ٢٣ موقعا يابانيا في سجلها الخاص بمواقع التراث العالمي تحت العنوان الجماعي ”مواقع ثورة ميجي الصناعية في اليابان: الحديد والفولاذ، وبناء السفن، والتنقيب عن الفحم“. وقد لعبت جميع هذه المواقع أدوارا بارزة في تسريع التحديث والتصنيع في اليابان في أواخر القرن التاسع عشر. وتجري هذه المقالة مراجعة للأسباب التي أدت إلى منح هذه المواقع لقب مواقع للتراث العالمي.
مواقع مشهورة وأخرى أقل شهرة
إن بعض هذه المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي مذكورة في الكتب المدرسية اليابانية وهي مألوفة لمعظم اليابانيين، بينما بعضها الآخر أقل شهرة. ومن بين المواقع المألوفة الأفران العاكسة لصهر الحديد الموجودة في قرية نيراياما بمحافظة شيزوؤكا، وفي مدينة هاغي بمحافظة ياماغوتشي، وكذلك في مجمع شوسيئيكان الصناعي بمحافظة كاغوشيما والتي تتضمن أيضا بقايا فرنٍ عاكس.
وقد أثار وصول أسطول بحري أمريكي بقيادة العميد البحري/الأدميرال ماثيو بيري عام ١٨٥٣ رعباً نوعاً ما لدى حكومة الشوغون ما دفعها إلى بناء فرن صهر في قرية نيراياما لصناعة مدافع. وقد اكتمل بناء الفرن عام ١٨٥٧ وكان ينتج مدافع كبيرة متينة. كما تم من ناحية أخرى، بناء فرن الصهر في هاغي من قبل مقاطعة تشوشو، وبدأ بالعمل عام ١٨٥٦ ولكن يبدو أنه كان نموذجا أوليا غير ناجح. كما بُني مجمع شوسيئيكان الصناعي من قبل مقاطعة شيمازو على الحدود الغربية في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر، وشمل إنتاج منشآت من أجل صناعة الحديد والسفن والمنسوجات.
ومن بين المواقع الأقل شهرة المدرجة على قائمة التراث العالمي، منجم الحديد هاشينو وبقايا مَصهر في مدينة كامايشي بمحافظة إيواتي وحوض ميئيتسو البحري في مدينة ساغا بمحافظة ساغا. بنت مقاطعة موريؤكا مَصهر هاشينو والذي يتكون من ٣ أفران عالية وذلك في أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر وقد استفاد هذا الموقع من أعمال الصيانة الدقيقة على مدار عقود.
وعلى النقيض، فإن حوض ميئيتسو البحري في ساغا بقي فقط على صورة قيد في الوثائق التاريخية. وقد شيدت مقاطعة ساغا حوض ميئيتسو البحري في أوائل ستينات القرن التاسع عشر لإصلاح وبناء السفن، وقد أنتج الحوض ”ريوفومارو“ عام ١٨٦٥ وهي أول باخرة في اليابان تعمل بكامل طاقتها. وبدا أنّه تم إغلاق الحوض في سبعينيات القرن التاسع عشر، إلا أن تاريخ الإغلاق بالتحديد غير مدون في الوثائق التاريخية. وقد كشفت أعمال الحفر المتعلقة بترشيح الموقع لإدراجه على قائمة التراث العالمي عن قواعده الخشبية في دلتا نهر تشيكوغوغاوا.
الموقع الآخر الذي عانى من الإهمال هو منجم الفحم هاشيما الذي أخذ نفس اسم الجزيرة والتي تشتهر أيضا باسم غونكانجيما ”جزيرة السفينة الحربية“ في محافظة ناغاساكي. فقد تراجع الطلب الياباني على الفحم لأن السياسة الحكومية قامت بتحويل المنشآت الكهربائية وغيرها من المنشآت الكبيرة إلى العمل على النفط، وتم إيقاف العمل بمنجم الفحم هاشيما عام ١٩٧٤. ونتيجة لذلك غادر جميع السكان الجزيرة، ومنذ ذلك الحين أصبحت جزيرة غير مأهولة ومهملة إلى حد كبير. وقد قامت شركة ميتسوبيشي ماتيريلز المالكة للمنجم بنقل ملكيتها للجزيرة إلى بلدية تاكاشيما (حاليا جزء من مدينة ناغاساكي) عام ٢٠٠١ بلا مقابل. ولم تبدأ الجماعات الأهلية بإثارة قضية الاعتراف بالمنجم كملكية ثقافية حتى دخول القرن الواحد والعشرين.
ولكن هناك بعض من مواقع ثورة ميجي الصناعية مما لا تزال تُستخدم جزئيا على الأقل. وهناك مثالان عن هذه المواقع، أولهما شركة الفولاذ التي كانت تعرف سابقا بـ”Imperial Steel Works“ وأصبح اسمها حاليا ”Nippon Steel & Sumitomo Metal’s Yawata Works“ وتقع في مدينة كيتاكيوشو بمحافظة فوكوؤكا والثاني هو حوض تصليح السفن في ناغاساكي التابع لشركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة ”Mitsubishi Heavy Industries“. وبينما يعتبر تحديد كيفية الحفاظ على المواقع المهجورة والمتدهورة تحديا دوريا في نظام التراث العالمي، فإن تحديد كيفية التوفيق بين مسألة التسميات كمواقع للتراث العالمي مع استمرار استخدامها من قبل مالكي القطاع الخاص يُشَّكِلُ قضية أخرى مختلفة تماما.
أول قوة صناعية ليست غربية
ولعل الربط بين ٢٣ موقعا موزعا على رقعة جغرافية واسعة لاستحضار عملية التحول الصناعي لليابان محاولة جديدة فريدة جديرة بالاهتمام. سيما وأن الإدراج الجماعي للمواقع في اليابان يختلف بشكل كبير عن الإدراج الفردي لمواقع صناعية ذات أهمية فريدة ومثيرة مثل المجمع الصناعي لمنجم فحم تسول فيرأين في ألمانيا.
فالمجمع الألماني آنف الذكر مؤهلُ للإدراج - بصورة منفردة - على قائمة التراث العالمي باعتباره ”شاهدا ماديا بارزا على تطور وتراجع صناعة أساسية على مدى السنوات الـ١٥٠ الماضية“ وبوصفه مثالا عن ”أبنية تعود للقرن العشرين وتتمتع بميزات معمارية مذهلة“. وعلى النقيض من ذلك، فقد كانت عملية الجمع بين عدة مواقع يابانية وسيلة فعالة لإيضاح كيفية ازدهار التصنيع في اليابان من خلال مواجهات مع الغرب وكذلك عن طريق مبدأ التجربة والخطأ التقني.
كما أن ثورة ميجي الصناعية في اليابان مؤهلة للإدراج على قائمة التراث العالمي باعتبارها أول نموذج عن التحول الصناعي في دولة غير غربية. وكان التقدم بطلب لإدراج المواقع على قائمة التراث العالمي فرصة ثمينة لتوضيح أهمية التصنيع في اليابان في أطر التطرق إلى التاريخ العالمي. وكان هذا أول جهد رسمي لليابان لتوضيح تلك الأهمية بصورة شاملة ومقنعة لجمهور غير ياباني على السواء.
وقد كنت أنا شخصياً عضوا في لجنة خبراء استشارية لترشيح كيوشو-ياماغوتشي ليتم إدراجها على قائمة التراث العالمي. وقد أشرفت هذه اللجنة على إعداد المواد التي تم تقديمها لدعم طلب إدراج مواقع ثورة ميجي الصناعية على قائمة التراث العالمي. وكان أسلوب ومضمون مناقشاتنا يوضحان وجود اختلافات طفيفة بين وجهات النظر اليابانية من جانب وغير اليابانية من جانب آخر، وحتى على مستوياتٍ واسعة الاطلاع. وسوف أسرد بعض الأمثلة.
قيمة عالمية
ويجدر التنويه إلى أن عدد من غير اليابانيين من أعضاء لجنتنا ينظر إلى أن التحول الصناعي في اليابان هو مجرد نوع من عملية المواجهة مع الغرب، بما في ذلك الصراع العسكري، واستيعاب للتكنولوجيا الغربية. أمّا فيما يتعلق بالمواجهات بين اليابان والغرب في خمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر وبالمبادرات اليابانية اللاحقة للتحول الصناعي، فقد كان الأعضاء اليابانيون وغير اليابانيين على اتفاق تام. ولكن اتفاقنا كان أقل قوة فيما يتعلق بتضمين قلعة هاغي في طلب الترشيح.
فقد كانت هاغي المقر الرئيسي لمقاطعة تشوشو. وكانت قيادة تشوشو فاعلة في اكتساب التكنولوجيا الغربية وكانت في طليعة الثورة التي أطاحت بحكم توكوغاوا شوغون وأدت لاستعادة وإصلاح حكم ميجي الإمبراطوري. كما كانت هاغي مكانا أقيم فيه مدرسة خاصة أدارها لفترة وجيزة يوشيدا شوين، الذي كان مفكرا ومعلما ينتمي إلى طبقة الساموراي، في أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر. ويعترف المؤرخون بفضل يوشيدا بوصفه شعلة فكرية متقدة في وضع الأساس الفلسفي لإصلاح ميجي. وقد استمر بعض طلابه بلعب دور قيادي لإصلاح ميجي على الرغم من أنه أعدم من قبل حكومة شوغون عام ١٨٥٩.
وكان أعضاء اللجنة غير اليابانيين أكثر حماسة من الأعضاء اليابانيين حول إدراج هاغي في طلب الترشيح. وهذا يعكس تأكيدهم الأكبر إلى حد ما على الدور الذي لعبته التكنولوجيا الغربية في ثورة ميجي الصناعية. فالموقع المنطقي لهاغي ضمن أسباب الإدراج على قائمة التراث العالمي هو ثانوي. وقد أدرجت في طلب الترشيح ليس بسبب احتوائها على أية أدلة تاريخية عن ثورة ميجي الصناعية وإنما بسبب دور تشوشو في تأسيس إطار عمل لاستيراد واستيعاب التكنولوجيا الغربية.
وكان الاختلاف الآخر البسيط بين أعضاء اللجنة اليابانيين وغير اليابانيين جغرافيا. حيث كان اسم العمل الأولي لمواقع التراث العالمي المقترحة هو ”بزوغ اليابان الصناعية: مواقع التراث العالمي كيوشو-ياماغوتشي“ (كما انعكس في اسم لجنتنا). وقد أظهر هذا الاسم افتراضا ضمنيا بشأن التركيز الجغرافي على المقترح.
فاليابانيون لديهم فهم متأصل للدور المركزي الذي لعبته كل من مقاطعات ساتسوما وساغا وتشوشو في منطقتي كيوشو وياماغوتشي خلال ثورة ميجي الصناعية. وقد تعلمنا عندما كنا تلاميذ مدارس بشأن كيفية إدراك قادة تلك المقاطعات القوية في وقت مبكر للتهديد العسكري الذي يمثله الغرب وامتلاكهم روح المبادرة لاستيعاب التكنولوجيا الغربية وخاصة العسكرية منها. وبالتالي فإن تركيزنا على كيوشو-ياماغوتشي كان غريزيا.
أمّا أعضاء اللجنة غير اليابانيين فكانوا ينظرون للاقتراح في سياق وطني أوسع حيث أنهم متحررون من تلك الأفكار اليابانية المبلورة مسبقا في عقولنا. وبالتالي فقد قررت لجنتنا في نهاية المطاف تضمين موقع هاشينو لصهر الحديد والتنقيب عنه في محافظة إيواتي وفرن الصهر العاكس في قرية نيراياما بمحافظة شيزوؤكا في طلب الترشيح.
لقد كانت عملية تبني وجهة نظر وطنية أكثر من كونها مجرد مسألة للنظر في ما وراء الجغرافيا السياسية الداخلية لليابان في منتصف القرن التاسع عشر. إن مبدأ القيمة العالمية هو جوهر المعيار الذي تتبعه اليونسكو في تقييم طلبات الترشيح للإدراج على قائمة التراث العالمي. كما أن صياغة طلب الترشيح في سياق وطني أكد على القيمة العالمية لتجربة اليابان في كونها أول دولة صناعية خارج الدول الغربية.
البعد الشخصي للتحول الصناعي
وتجدر الإشارة إلى أن مواقع ثورة ميجي الصناعية المدرجة حديثا في سجل مواقع التراث العالمي تلخص المساهمة الحاسمة للتعدين والتصنيع في حداثة اليابان. وذلك علماً بأنَّ معدلات التوظيف في اليابان تراجعت في تلك القطاعات بشكل ثابت إلى أقل من ٢٥٪ من مجموع السكان القادرين على العمل في البلاد. وأصبح البيع بالتجزئة وصناعات القطاعات الخدمية الأخرى بالإضافة إلى أنشطة غير تصنيعية مثل الاستعلامات والاتصالات والخدمات المالية مجالات التوظيف الرئيسية في اليابان إلى أكبر حد.
وهكذا يميل الناس للنظر إلى هذه المواقع في الوقت الحاضر - مثل مناجم الفحم السابقة - كقطع أثرية ترجع لعصرٍ آخر من الزمن كما لا يزال فهم الدور التاريخي لتلك المواقع أمر لا يمكن الاستغناء عنه حول ما يتعلق بتطور اليابان الصناعي والاقتصادي، لذا سيٌعتمد على تلقين ذلك للأجيال المقبلة بغية على الحفاظ على هذه المواقع، وهذا ما يتطلب نفقات كبيرة مما يجعل السؤال الآن يكمن فيما إذا كان التوصل إلى إجماع سيسهم في دعم الالتزامات المالية الضرورية للحفاظ على تلك المواقع.
وربما يعتبر منجم الفحم هاشيما مثالا لافتا للنظر في تحدي المحافظة على المواقع. حيث تقوم سفن سياحية بنقل السياح في جولة حول جزيرة غونكانجيما لإلقاء نظرة على المباني الإسمنتية الضخمة هناك، كما تقوم بعض تلك السفن بإنزال الركاب على شاطئ الجزيرة للمشاهدة عن قرب وقد تعرّض عدد قليل من المباني - والتي تتضمن منازل سابقة للعاملين وأسرهم - للدمار، كما كانت هناك مبان أخرى على وشك الانهيار. ومن المرجح أن يكون الحفاظ على الهياكل المتبقية مستحيلا بالنظر إلى العقبات المالية والمعمارية. والغريب في الأمر، إن شبح الانهيار الوشيك هو جزء من جاذبية الموقع بالنسبة للسياح وهذا مما يعقد تحدي المحافظة على الموقع.
ويبدو أن بعض المسؤولين عن تحديد مصير منجم الفحم هاشيما مستعدون لتأييد انهيار المزيد من المباني هناك. ولكن لم نسمع حتى الآن بأيّ تصريح رسمي يؤيد هذا النهج لا سيما من أفراد يعملون في الحفاظ على الممتلكات الثقافية أو من باحثين تاريخيين أو خبراء معماريين أو وكالات حكومية أو جماعات أهلية.
وفي الواقع، فإنّنا لم نر أي نوع من التقدم فيما يتعلق بصياغة إجماع في الرأي حول أولويات المحافظة على المواقع أو الخطوط الإرشادية أو المنهجية أو التمويل. ولعل صياغة مثل هذا الإجماع ستتطلب التزاماً بإجراء توافق بين شبكة معقدة من مصالح متنوعة. وهذا يتطلب بالتالي مثابرة دؤوبة، ولكن لا بد من الوفاء بالمسؤولية التي أخذناها على عاتقنا في ضمان إدراج منجم الفحم هاشيما على قائمة التراث العالمي.
كما نواجه أيضاً تحديا مشابها في الحساسيات المتعلقة بالعمال الأجانب - خاصة الكوريين - الذين عملوا في بعض مواقع ثورة ميجي الصناعية. وقد عالج السيد نيل كوسونس الذي ترأس لجنة الخبراء الاستشارية لترشيح كيوشو-ياماغوتشي ليتم إدراجها على قائمة التراث العالمي هذه القضية بشكل مقنع. وأشار كوسونس إلى أن التطبيقات العسكرية كانت جزءا من تطوير الصناعة الثقيلة في كل الدول الصناعية ولكن ذلك التمييز والإخضاع كانا - لسوء الحظ - جزءا من التحول الصناعي في كل مكان تقريبا.
وبينما نُقر بجوانب التحول الصناعي التي ذكرها كوسونس، دعونا نعترف بأن القوة الدافعة في التحول الصناعي تجلت في أماكن أخرى: لا سيما في الرغبة الحماسية للناس العاديين من خلال السعي لضمان حياة أفضل لأنفسهم ولذرياتهم. ودَعُوُنا نُقِرُّ بأننا مدينون من أجل الحياة التي نستمتع بها اليوم للعمل والأفكار التي قام أسلافنا باستثمارها. ودعونا نعترف بكل تواضع بأننا لا نعرف الكثير حقا عن حياتهم في العمل وخارجه. ودعونا نسعى ببذل المزيد على إحياء التراث العالمي إلى تسليط الضوء بصورة أفضل على البعد الشخصي لتاريخنا الصناعي.
(المقالة الأصلية باللغة اليابانية ومنشورة في ٢٩ يوليو/تموز ٢٠١٥. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: سائحة على متن سفينة تلتقط صورا لمباني منجم الفحم هاشيما. جيجي برس).