أزمـة العـائـلة الإمـبراطـوريـة اليـابانيـة
سياسة مجتمع- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
لقد أدت الحالة السياسية المتغيرة إلى وضع الجهود الرامية لإصلاح قانون العائلة الامبراطورية على الرف. حيث أصبحت قضية النقص في خلفاء العرش أكثر خطورة وإلحاحاً عن أي وقت مضى، إلا أنه لا يبدو في الأفق وجود حل للأزمة التي تواجه العائلة الإمبراطورية.
النقص الحاد في الدم الإمبراطوري
من المتعارف عليه و بموجب تقاليد الأسرة الإمبراطورية الحالية فإن الذكور فقط هم المسموح لهم بالجلوس على العرش، أما بالنسبة للسيدات فهن يفقدن وضعهن الإمبراطوري عندما يتزوجن. ومنذ عام ١٩٦٩عندما ولدت ابنة للأمير اكيهيتو ولي العهد وولية العهد الأميرة ميتشيكو آنذاك (الإمبراطور والإمبراطورة حالياً) وهي الأميرة ساياكو – نوري نوميا حتى منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠٠٥، رزقت العائلة الإمبراطورية بتسع فتيات. ولدى الإمبراطور اكيهيتو الذي يبلغ الآن ٧٩ عاماً أربعة أحفاد، إلا أن الأمير هيساهيتو والذي يبلغ ست سنوات من العمر هو الولد الوحيد ويحتلُّ حاليا المركز الثالث في ترتيب ولاية العرش بعد عمه ولي العهد ناروهيتو (٥٢ عاماً) ووالده الأمير أكيشينو (٤٦ عاماً). وبناء على الوضع الراهن، فمن المنطقي أن يتوج الأمير هيساهيتو بتبؤ العرش بعدئذ حيث أنه ”الإمبراطور الوحيد“ دون أي شخص آخر من أعضاء العائلة الإمبراطورية من جيله. وسيؤدي ذلك إلى وضع حرج وخطير للغاية.
واستجابة لذلك، بدأت الحكومة العمل في بداية عام ٢٠١٢ بإعادة النظر في القانون ليسمح لحفيدات الامبراطور أي بنات الأمير اكيشينو وهنّ الأميرة ماكو (٢١) والأميرة كاكو (١٧)، وابنة ولي العهد الأمير ناروهيتو الأميرة آيكو (١٠) الاحتفاظ بمكانتهن في العائلة الإمبراطورية حتى بعد الزواج.
في عام ٢٠٠٥، قبل أن يولد الأمير هيساهيتو، حاول رئيس الوزراء الليبرالي كويزومي إعادة النظر في قانون العائلة الامبراطورية لجعل السيدات مؤهلات لتولي العرش الإمبراطوري، وهذا من شأنه أن يجعل من الممكن للأميرة آيكو (الابنة الوحيدة لولي العهد الأمير ناروهيتو و زوجه، والتي ولدت عام ٢٠٠١) أن تصبح إمبراطورة في يوم من الأيام. وقد واجه هذا الاقتراح معارضة شديدة آنذاك، وانقسم الرأي العام على نفسه بشكل حاد ما بين مؤيد ومعارض، ولكن قبيل مناقشة مشروع القانون في مجلس النواب الياباني (الدايت) ولد الأمير هيساهيتو، أول وريث ذكر يولد في العائلة الإمبراطورية منذ ٤١ عاماً، وهو ما أدى في نهاية المطاف بالحكومة لأن تتخلى عن محاولتها لإعادة النظر في قانون وراثة العرش حتى إشعار آخر.
وعلى هذه الخلفية فقد تبنت حكومة نودا الديمقراطية لإجراء تعديلات أقل حدة وغير مثيرة للجدل، فتركت الاقتراح الأساسي المتعلق بالسماح بوراثة العرش للإناث من العائلة الإمبراطورية إلى السماح للأميرات بالاحتفاظ بوضعهن داخل القصر الإمبراطوري حتى بعد الزواج. والأميرات الخمس اللواتي ولدنَ لأبناء عمومة الإمبراطور الحالي وقد بلغن سن الرشد قبل بضع سنوات، كما ان الحفيدات الثلاث للإمبراطور يقتربن أيضا من سن الزواج، وهذا ما خلق ذلك الشعور بالإلحاح من قبل الحكومة للقيام بإصلاحات من شأنها التغلب على تلك العقبات.
إصرار التيار المحافظ على خلافة الذكر
لكن المحافظين اعتبروا أن حتى هذا التعديل الجزئي للنظام يشكل تهديدا كبيرا على النظام القائم. فمن وجهة نظرهم فإن هذا التغيير المقترح سيعرض القاعدة التقليدية لخلافة الذكور للخطر وذلك بسبب منح الصفة الملكية للأزواج الذين لا يحملون الدم الملكي واطفال الأميرات. وتعد معارضة التيار المحافظ العقبة الرئيسية أمام التغيير. ولعل بعض المحافظين يفضلون نهجاً مختلفاً فهم يريدون استعادة أصول الذين جردوا من وضعهم الإمبراطوري خلال احتلال الحلفاء لليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
وقد لاقى هذا الاقتراح للحل دعماً من شينزو آبي رئيس الوزراء الحالي الذي اختير لقيادة الحزب الليبرالي في سبتمبر/ أيلول ٢٠١٢. ومن المرجح أن تلغي تلك الإصلاحات التي تبنتها حكومة الحزب الديمقراطي السابقة، خاصة بعد انتصار الحزب الليبرالي في الانتخابات العامة التي أجريت في ديسمبر/ كانون الاول ٢٠١٢ الماضي وحاز فيها على غالبية مقاعد البرلمان.
لكن في معظم الأنظمة الأوروبية التي مازالت قائمة حتى الآن تمنح المرأة نفس الحقوق مثلها مثل الرجل تماماً في موضوع الخلافة، لذلك فإن التمسك بتلك التقاليد التي تصر على خلافة الذكر فقط في القرن الحادي والعشرين باليابان يبدو وكأنه مفارقة تاريخية محيرة لكثير من المتابعين في الخارج، ولكن لأكثر من ألف سنة فقد كان ومازال النظام الإمبراطوري الياباني يستمد شرعيته من وضعه ومكانته التي ينظر إليها على أنها عروة المركز الروحي التي تجمع الأمة معاً. وتم بناء هذه الشرعية على خط غير منقطع من الذكور. خاصة وأن للإمبراطور وضع ديني وكهنوتي يتمثل في تقديس الأباطرة القدماء والطقوس التقليدية التي تسلط الضوء على الوضع الإلهي المقدس للإمبراطور. وهذا هو الدور الديني الذي يكمن وراء مكانة الإمبراطور كرمز مقدس للأمة بالنسبة للكثير من الناس في حين يقول البعض أن لدى الإمبراطور قواسم مشتركة كثيرة مع ”الدالاي لاما“ أكثر مما عليه الحال مع ملوك وملكات أوروبا.
أزمة الأميرة ماساكو ومشكلة الخلافة
يرتبط تفاقم هذه الأزمة ارتباطا وثيقا بالأزمة المستمرة داخل أسرة ولي العهد.
تلقت الأميرة ماساكو (٤٨ عاماً) تعليمها في جامعتي هارفارد وأكسفورد وعملت في وزارة الخارجية قبل الزواج من ولي العهد الأمير ناروهيتو في عام ١٩٩٣. وبعد ثماني سنوات، وبعد الترقب المحموم للشعب الياباني رزقت بطفلة وهي الأميرة آييكو، وطال انتظار وريث ذكر للعرش. وفي عام ٢٠٠٤، تم تشخيص بعض متاعب الأميرة باضطراب التكيف نتيجة لضغط وسائل الإعلام المستمر والقيود الشديدة الخانقة التي يفرضها البلاط الامبراطوري.
نصح الأطباء الأميرة بأن تركز على أنشطتها الخاصة، لذلك فقد غابت عن معظم أحداث القصر، والرحلات، والمهام الرسمية، وانحصر تركيزها على ترفيه ذاتها وترتيب رحلاتها الخاصة فقط. وكانت قد جذبت أيضا انتقادات عديدة بسبب الطريقة غير التقليدية التي تصرفت بها فيما يتعلق بتعليم ابنتها. فقد التحقت الأميرة آيكو بالمدرسة الابتدائية غاكُشوـ إن، التي تلقى فيها أعضاء العائلة الإمبراطورية تعليمهم، ولكن بعدما تعرضت الأميرة آيكو للَّمز والمضايقات من أقرانها اتخذت والدتها خطوة غير مسبوقة حيث ظلت تذهب معها الى المدرسة لمدة عام ونصف.
إن ما يقلق بصفة خاصة هو الصدع الواضح الناشئ بين الإمبراطور وولي العهد والحاشية الخاصة به. ماساكو لم تكن أبدًا مقربة من الامبراطور والامبراطورة، وكانت تفضل قضاء الوقت مع عائلتها. مما أدى إلى قضاء ولي العهد والأميرة الشابة آييكو الكثير من الوقت بعيدا عن الامبراطور والامبراطورة وذلك على عكس شقيقه الأصغر ولي العهد الأمير اكيشينو، والثاني حالياً في ترتيب ولاية العرش الإمبراطوري. الأمير اكيشينو وعائلته بشكل عام لهم تقدير من الرأي العام وهذا ليس فقط لأن الأمير هيساهيتو هو حالياً الخليفة المحتمل والوحيد للعرش في جيله، ولكن أيضا بسبب الاتصالات الوثيقة والعلاقات الوطيدة بين الأمير أكيشينو وزوجته مع القصر الإمبراطوري لا سيما وان الأمير وزوجته يلعبان دوراً بارزاً في الأحداث الرسمية ويشاركان أيضاً في الأحداث والطقوس الدينية والاحتفالات التقليدية بالإضافة إلى انهما منخرطان أيضاً في البحث الأكاديمي.
ستحل هذا العام الذكرى العشرون لمناسبة زواج ولي العهد والأميرة ماساكو. وقد يكون من المؤسف أن يكون العام الجديد السنة العاشرة لـ”إنقطاع“ الأميرة ماساكو عن اداء دورها الرسمي. وقد يعني ذلك بانه ليس لديها الخبرة الكافية التي تمكنها من لعب دورها المستقبلي كإمبراطورة. وعلى الرغم من أن الرأي العام كان متعاطفا معها في البداية لكفاحها للتكيف مع البيئة الجديدة الصعبة، إلا انه برزت العديد من الانتقادات في السنوات الأخيرة وعلى نحو متزايد من قبل شريحة معينة من وسائل الإعلام حيث تتمحور تلك الانتقادات في أن الأميرة تركز على أولوياتها الخاصة على حساب واجباتها الرسمية. حتى أن بعض المراقبين باتوا يتهامسون بأنه ينبغي على الزوجين الطلاق أو حتى أن يتنازل الأمير عن منصبه كوريث للعرش.
هنالك جانبان رئيسيان من التعديلات التي أدخلت على القانون الإمبراطوري الذي اقترحته حكومة نودا الديمقراطية السابقة. الأول، طريق السماح الأميرات للحفاظ على وضعهن الإمبراطوري بعد الزواج الامر الذي من شأنه أن يخلق مجموعة من الورثة المحتملين من الإناث في المستقبل. والثاني ، انّ هذا يعني أنه عندما يصبح الأمير هيساهيتو الإمبراطور سيكون قادراً على الاعتماد على النساء في عائلته، بما في ذلك أختاه، وذلك للحصول على الدعم في أداء واجباته الرسمية.
العائلة الإمبراطورية رمز استقرار الأمة
تواجه اليابان في الفترة الأخيرة أياماً عصيبة وليست أبداً بالمرحلة السهلة بالنسبة لليابان. فالاقتصاد يسير في نفق مظلم وعلى غير هدى، والوضع المالي العام للحكومة في أسوء حالاته، والدولة مازالت تعاني من آثار زلزال مارس/ آذار٢٠١١ والكارثة النووية التي حلت بمفاعل فوكوشيما بسبب التسونامي على السواء. أما على الصعيد الدولي فانّ حدة التوتر والضغط بسبب نزاعات اليابان الإقليمية مع دول الجوار الثلاث الرئيسية، الصين، كوريا الجنوبية، وروسيا مازالت تخيّم وترتفع بين الحين والأخر .
وقد كان أداء الحزب الديمقراطي الياباني غير مقنع منذ توليه السلطة قبل ثلاث سنوات خلفاً للحزب الليبرالي الذي سيطر ولفترة طويلة على الحكومة والمشهد السياسي بشكل عام، حيث أُجبر رئيس الوزراء السابق نودا على الدعوة لانتخابات عامة مبكرة بسبب تراجع شعبية الحزب وضغط الرأي العام. فهناك مؤشرات على إعادة تنظيم الحراك السياسي في المستقبل القريب وذلك بسبب ظهور العديد من الناخبين الذين سئموا من كل الأحزاب الرئيسية وكذلك ظهور أحزاب جديدة أخرى ذات طابع محافظ. وأصبحت اليابان التي نهضت في أعقاب الهزيمة المرة التي منيت بها في الحرب العالمية الثانية لتصبح قوة اقتصادية كبرى تحت الدستور السلمي الحالي تقترب شيئاً فشيئاً من نقطة تحول حاسمة.
وهكذا نستطيع أن نقول إن العائلة الإمبراطورية تجمع بين النظرة الدولية والجذور التقليدية، لذلك كثيرا ما ينظر إليها الشعب الياباني كمرتكز روحي. والخطر الآن هو أن هذه الدعامة الصلبة يمكن أن تنجرف عن مرساها.
(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، ١٩ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٢، صورة الخلفية من سانكي شيمبون)