مكانة جبل فوجي في قلوب اليابانيين

ثقافة

تاكاشينا شوجي [نبذة عن الكاتب]

استقبل موقع Nippon.com عام ٢٠١٢ بهذا المقال عن جبل فوجي الذي يعاد نشره هنا والمأخوذ أصلاً من مجلة صدى اليابان، حيث يُعتقد أن رؤية جبل فوجي في أول منام من العام الجديد هو من أكثر الأشياء تيمناً وبَركة. يستعرض تاكاشينا شوجي في هذه المقال جبل فوجي من النواحي الفنية والتاريخية والثقافية.

جبل فوجي يخلده الفن

كان هوكوساي فريداً بشكل نادر من نوعه في هذا الصدد. ومن الصعوبة بمكان أن يوجد رسام معروف في حقبة إيدو (١٦٠٠-١٨٦٨) لم يترك ورائه عملاً واحداً على الأقل ذو صلة بجبل فوجي بطريقة ما. ويمكن العثور على صور جبل فوجي التي لاتعد ولاتحصى في المناظر الطبيعية واللوحات وعلى الشاشات والمخطوطات والرموز الدينية والخرائط، ناهيك عن المنسوجات والسيراميك. وقد كان هذا الاتجاه واضحاً بشكل خاص في عالم أوكييو-إيه، وهوالنوع المحبب لدى الطبقة الوسطى. كما ازداد الطلب على الصور مع انتشار عبادة جبل فوجي وقيام عامة الناس بالحج إلى قمة الجبل. واستجاب العديد من فناني أوكييو-إيه وبدأوا بإنتاج المطبوعات والكتب المتعقلة بهذا الموضوع. ولعله من بين هؤلاء الفنانين كان هناك فنان مبدع آخر في المناظر الطبيعية عاش في آخر حقبة إيدو وهو أندو هيروشيغيه (١٧٩٧-١٨٥٨). فقد قرر هيروشيغيه بتأثر جزئي من هوكوساي أن ينشر سلسلة من اللوحات يتم جمعها من ’’مائة منظر لجبل فوجي‘‘. الا أنّهُ أيّ هيروشيغيه تخلى عن هذا المشروع وذلك بعد نشر المجلد الأول الذي يحتوي على ٢٠ مطبوعة، لكنه ترك سلسلتين منفصلتين تحتويان على ٣٦ منظرا في محاكاة  لهوكوساي. وبالإضافة إلى ذلك، كان لجبل فوجي مكانة بارزة في سلسلة هيروشيغيه المعروفة بــ’’توكايدو غوجوسانتسوغي‘‘ أو ’’المحطات الثلاثة والخمسين لتوكايدو‘‘، وعمله الأخير ’’ميشو إيدو هياكّيه‘‘ أو ’’المناظر المائة لإيدو‘‘. وقد أنتجت مطبوعات أوكييو-إيه تلك الأعمال بكميات كبيرة وذلك ليس بهدف التقدير والتقييم الجمالي ولكن أيضا كهدايا للمسافرين والسياح على السواء. وربما يعطينا تواتر ظهور جبل فوجي في هذا الإنتاج الضخم من الأعمال وعلى النحو المشار اليه فكرة جيدة وبارزة عن الوعي الجماعي والشامل للأمة.

هيروشيغيه. ’’يوي‘‘، من ’’المحطات الثلاثة والخمسين لتوكايدو‘‘.

 لقد أسر سحر جبل فوجي مخيلة اليابانيين قبل وقت طويل من حقبة إيدو وذلك بجماله المذهل وارتفاعه المثير للإعجاب (أعلى قمة في اليابان إلى الآن) وبموقعه المركزي. كما تغنت به قصائد عدة من ’’مان يوشو‘‘، أقدم مقتطفات شعرية في اليابان، من بينها مطلع القصيدة الطويلة الشهيرة ’’تشوكا‘‘ لــ’’يامابيه نو أكاهيتو‘‘ حيث جاء فيها: ’’منذ أن افترقت السماء والأرض، ترتفع قمة عالية إلهية وشامخة في سوروجا من فوجي....‘‘ كما ظهر ذلك أيضاً في كثير من الأحيان في النثر والشعر الياباني. في عالم الرسم، يعود أول تصور موجود لجبل فوجي إلى اواسط القرن الحادي عشر حيث وَرَد ذلك في ’’شوكوتو تايشي إيدين‘‘ أو’’السيرة الذاتية المصورة للأمير شوتوكو‘‘ والتي تحكي أسطورة ركوب الأمير على حصان أسود أُرسل له من مقاطعة كاي (حاليا محافظة ياماناشي) ليصعد به إلى قمة جبل فوجي. وقد لاقت تلك القصة شعبية خاصةً بعد انتشار عبادة الأمير شوتوكو، وبما أن جبل فوجي كان يظهر دائما برسوم توضيحية لتلك الأسطورة، فقد ساعد هذا الأمر على حفر صورة الجبل في وعي الناس. ففي فترة كاماكورا (١١٨٥-١٣٣٣)، يظهر جبل فوجي في مطبوعات ورقية مثل ’’يوغيو شونين إنغي إيه‘‘ تحكي قصة الكاهن المعروف إبّين الذي سافر حول البلاد لنشر تعاليم طائفة من الديانة البوذية عبر ترتيل ما يشبه تعويذة ’’نينبيتسو‘‘. كما يمكن أن نجد لوحات لمناظر طبيعية نقية تتعلق بجبل فوجي في فترة ما قبل حقبة إيدو.

شوتوكو تايشي إيدن.

 ولكن شهدت فترة إيدو تغيراً مهماً في العلاقة بين الشعب الياباني وجبل فوجي. فقد أصبح لجبل فوجي بعد ذلك له حضور مألوف في حياة الناس العاديين، كما كان بالنسبة لهوكوساي وهيروشيغيه. وكان تحول مدينة إيدو (طوكيو حاليا) لتصبح مقراً لتوكوغاوا شوغوناتيه ومركزاً سكانياً كبيراً في اليابان سبباً رئيسياً لهذا التغيير.

الصفحة التالية: جبل فوجي في حقبة إيدو

كلمات مفتاحية

ثقافة جبل فوجي كاتسوشيكا هوكوساي الفن أوكييو-إيه

تاكاشينا شوجيTAKASHINA Shūjiعرض قائمة المقالات

ولد تاكاشينا شوجي عام ١٩٣٢. وقام بدراساتهِ العليا في تاريخ الفن في جامعة طوكيو. عمل أستاذا في جامعة طوكيو والمدير العام للمتحف الوطني للفنون الغربية، وهو الآن مدير متحف أوهارا للفنون وأستاذ فخري في جامعة طوكيو. ألّف تاكاشينا شوجي ’’رونيسّانسو نو هيكاري تو يامي‘‘ (الجانب المضيء والمظلم في عصر النهضة)، و’’كوهو نو مي‘‘ ( عيون فان غوخ) وأعمالا أخرى.

مقالات أخرى في هذا الموضوع